1- مفهوم الحياة الكنسية :
هى بناء الحياة الروحية للإنسان المسيحى على أساس المفهوم اللاهوتى أنه عضو فى جسد المسيح الذى هو (الكنيسة)، تم انتماؤه لهذا الجسد بواسطة المعمودية وتستمر التغذية والثبوت فى العضوية من خلال الافخارستيا.
وتصير الكنيسة - بالنسبة لنا - ليست مؤسسة دينية ولا هيئة خيرية، ولكنها شخص حى ينمو، هيكلا مقدساً للرب (أف 21:2) رأسها المسيح (أف 22:1) وأعضاؤها نحن "رعيته مع القديسين وأهل بيت الله، مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" (أف 19:2-20)، "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً" (1كو 27:12).
ويكون انتماؤنا للكنيسة هو الركيزة التى تنطلق منها كل مفاهيمنا للحياة الروحية، وللمعارف اللاهوتية وأيضاً للخدمة داخل الكنيسة وخارجها بل هو القاعدة الأساسية للمنهج الحياتى ككل. والإنسان الكنسى يستلزم له أيضاً أن يكون واعياً بالكنيسة بكل طقوسها وممارستها ونسكياتها وآبائها وقديسيها وتراثها وأسرارها وكهنوتها... الخ، وممارساً بوعى وعمق وأصالة أبائية كل ممارستها الروحية من داخل إطار الكنيسة.
2- قواعد أساسية فى فهم الحياة الكنسية :
المعرفة تصبغ الروحانية : يدعى البعض أنه يتكلم فى اجتماعاته الوعظية عن الأمور الروحية دون الدخول فى العقائد، ولكن هذا الادعاء غير صحيح، لأنه لا توجد روحانية بدون خلفية فكرية عقائدية.. لذلك فكما أنه توجد عقيدة أرثوذكسية ذات سمات محددة مقننة، كذلك توجد روحانية أرثوذكسية لها ما يميزها ويفرزها.. والأغرب من ذلك أن الجهل بالعقيدة من شأنه أن يحرف الاتجاهات الروحية، والعلاقة هنا متبادلة فالروحانية الأصيلة الآبائية تحفظ كذلك الفكر العقيدى نقياً، قيل عن الأنبا أثناسيوس الرسولى أن "نقاوة إيمانه كانت سبب تقواه".. لذلك فنحن نتوقع أن دراستنا اللاهوتية للفكر الكنسى سيكون لها أثر تقوى فى حياتنا وممارساتنا، كما أننا نحبذ ان الدارس للاهوت يجب ان يكون له سبق خبرة تذوق تقوى للممارسات الكنسية
3- الممارسة تسبق المعرفة :
وهذه سمة تميز الروحانية الأرثوذكسية، فنحن دائماً نخضع العقل للإيمان وللإنجيل وللكنيسة، ولا نقبل أن نضع الأمور الإيمانية والحياتية والإنجيلية تحت سلطان العقل والتحليل العقلانى المنطقى العملى.. لذلك فلابد أن نبدأ بالخبرة ثم نصقلها بالمعرفة.. الخبرة تستلزم ممارسة أمينة فى خضوع بسيط للنظام العام الكنسى، مما يكسب الإنسان بعداً نسكياً عميقاً واستنارة ذهن بعمل الروح القدس بسبب الإتضاع والطاعة والتسليم لعمل الله وترتيباته فى الكنيسة. وعندما تتاح فرصة الدراسة اللاهوتية لإنسان تقى ممارس للخبرة الكنسية، تكون أفرازاتها نافعة للكنيسة فى المسكونة كلها، كما كان الحال مع آبائنا العظماء أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس.. أما إذا انقلبت الأوضاع وجاءت الدراسات العملية اللاهوتية بدون أساس روحى، فستكون الدراسة وبالا على الكنيسة.. لأنها عندئذ لا تفرز إلا الهرطقات والبدع والكبرياء.
4- العلاقة بين الطقس والعقيدة :
لقد استطاعت الكنيسة على مدى تاريخها الطويل أن تصبغ كل ما تعتقده فى صورة طقس، إما فى نصوص ليتورجية، أو فى ترتيبات طقسية... ليست العقائد العظمى فقط ولكن كل شاردة أو وراده فى فكر الكنيسة.. حتى إنه يمكنك من خلال الطقس فقط أن تكشف كل العقيدة واللاهوت والمناهج النسكية، وأيضاً كل الردود على البدع والهرطقات التى ظهرت والتى ستظهر أيضاً. فلا يوجد طقس بدون خلفية عقيدية،
ولا توجد عقيدة بدون صياغة طقسية، فنحن حينما نصلى إنما نعبر عن إيماننا وعقائدنا..
لقد ظلت كنيستنا لمدة طويلة جداً متهمة بأنها أوطاخية الفكر حتى قام بعض العلماء الأجانب بدراسة وتحليل نصوصنا الليتورجية، وشهدوا بصحة إيماننا وعدم أوطاخية كنيستنا.. فالكنيسة تحمل داخلها وثيقة صحة عقيدتها...
ولقد تبارت الأجيال المتعاقبة من الآباء فى شرح العقيدة، وتطبيقها وممارستها وأضاف كل جيل خبرته وصياغته حتى وصل إلينا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور ما يسمى (بالتراث الكنسى) غنياً بالخبرة والتحديدات القانونية وبالمعرفة اللاهوتية الواضحة.. وما علينا إلا أن نتحمل مسئولية جيلنا، لنثرى تراثنا بخبراتنا وصياغة عصرنا ونسلم لجيل مقبل يتطلع إلينا بشغف ليشرب منا روح الآباء.
5- الليتورجيا هى مصدر غنى الكنيسة وقوتها :
فحتى فى أحلك فترات تاريخ الكنيسة، عندما ضعفت الرعاية، وشح الوعظ والتعليم، عاشت الكنيسة على القداس والمعمودية والقنديل والإكليل وأبو تربو و (موالد) القديسين والميامر.. واستمر الشعب فى انتمائه العميق الأصيل للكنيسة، بالرغم من كل الظروف، وبالرغم من كل اغراءات الاجتذاب الغربى، والضغط السياسى على الكنيسة.. حتى إنه قيل "إنه من عجائب الدنيا إنه يوجد أقباط بمصر حتى اليوم". كل هذا يؤكد أن الكنيسة غنية بتراثها، وهى جديرة بأن نستوعبها ونمارسها بحب وشغف ونشاط روحى، لتزداد ثراءً وغنى بحب أبنائها وإنتمائهم وغيرتهم.. الأكثر من هذا أن استمرارية الكنيسة حتى اليوم إنما يدل على أنها معمولة بالروح القدس، وأنها أعمق من الزمان وأعتى من كل الظروف، ولديها وعد صادق من عريسها المحب أن "أبواب الجحيم لن تقوى عليها".
لنا ثقة فى المسيح أن جيلنا سيحمل الشعلة مضاءه ويسلمها مزدانة.. وسنحمل الأمانة بنعمة المسيح وقوته.. وسنتحمل تبعات الطريق وفداحة الخسارة - إن وجدت خسارة - حباً فى المسيح وإكراماً لجسده وسلاماً وبنياناً للكنيسة.