رسالة بولس الرسول الى أهل كولوسى
رسالة بولس الرسول الى أهل كولوسى
رسالة بولس الرسول الى أهل كولوسى
مقدمة في رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي كولوسي Colusse, Colosse مدينة صغيرة، تقع في مقاطعة فريجية Phrygia، في جنوب آسيا الصغرى، شرق مدينة أفسس وغرب أنطاكية بسيدية، كان يغذيها نهر اللوكس. تعرض وادى اللوكس Lycus valley لعدة زلازل، كما كان مهبطًا لترسيب تلالاً من الطباشير أطاحت بالكثير من معالم المنطقة، وفي نفس الوقت أصبغت عليها مناظر خلابة من أقواس وسراديب طباشيرية. وهي ملاصقة لمدينتين هامتين هما لاودكية Laodicea وهيرابوليس Hierapolis (13:4) وقد اشتهر ثلاثتهم بتجارة الأخشاب والصباغة[1]. من أثار البراكين الكثيرة صارت المنطقة حافلة بالمراعي، مما أدى إلى ازدهار صناعة الصوف وصباغته، وصار يوجد لون خاص بكولوسي يوصف بالصوف الكولوسياني. لا نعرف الكثير عن تاريخ كولوسي، ذكرها هيروديت بكونها مدينة عظمى في فريجية في أيام سريكس، لكنها تضاءلت حتى صارت قرية صغيرة في أيام القديس بولس، لم يبقَ منها حاليًا سوى القرية التي تدعي كونوس Chonas أو كوناس Konas في تركيا، تقع تحت ظلال جبل كادموس، تكتنفها أشجار عالية، ويبرز في ضواحيها آثار مدينة كولوسي القديمة من قباب وأقواس وحجارة مرصوفة. هذا وقد وُجد ترابط بين كولوسي ولاودكية وهيرابوليس بسبب قرب المسافة. لهذا أوصى الرسول أن تُقرأ الرسالة إلى أهل كولوسي في لاودكية، وأن تُقرأ الرسالة إلى أهل لاودكية في كولوسي (كو 16:4). يذكر يوسيفوس أن اليهود أقاموا في فريجية لمدة قرنين[2]. وقد تطبعوا بعادات أهل البلاد، حتى أن الذين قبلوا الإيمان المسيحي حملوا معهم بصمات العادات الخاصة بالأمم[3]. ذكر يوسابيوس أن فيلبس الشماس وبناته العذارى الأربع قد أقاموا في هذه المنطقة، وقد اُكتشفت مقابرهم في هيرابوليس في الجزء الأخير من القرن الثاني. خدمة أبفراس في كولوسي بعد عودة القديسين بولس الرسول وتيموثاوس وسيلا من المجمع الذي عُقد في أورشليم (أع 15: 9) بشروا في كورتي فريجيه وغلاطية، ثم عاد بولس وجاز في كورة غلاطية وفريجية يشدد جميع التلاميذ (أع 23:18)، وذلك بعد زيارته لأفسس. يرى البعض أن القديس بولس لم يذهب إلى كولوسي، إذ اجتاز الرسول في النواحي العالية (الشمال) كما جاء في أع 1:19، بينما تقع كولوسي في الجنوب. لهذا يرجح أغلب الدارسين أن أبفراس قان بالتبشير في كولوسي، هذا الذي وصفه الرسول بولس بأنه "خادم أمين للمسيح لأجلكم" (كو 7:1)، كما يقول: "الذي هو منكم" (12:4)، مما يدل على أنه كان من سكان كولوسي. يرجح أنه التقى بالقديس بولس في أفسس حيث آمن على يديه، فقد أمضى الرسول سنتين كاملتين في أفسس (أع 10:19)[4]. وإن كان بعض الدارسين يرون أنه ليس من دليل ينفي أن الرسول بولس قد قام بنفسه بالتبشير هناك. يرى البعض أن بعضًا من أهل كولوسي قبلوا الإيمان على يدي الرسول بولس إثناء خدمته في أفسس (53-56م)[5]. تاريخ كتابتها كُتبت الرسالة إلى أهل كولوسي من السجن مثل الرسائل إلى أهل أفسس وأهل فيلبي وفليمون. جاء في التقليد الكنسي القديم أنها كُتبت في روما في سجنه الأول هناك (أع 28) ما بين عامي 61 و63م. ويعتقد بعض الدارسين أن هذه الرسائل ربما كُتبت أثناء سجنه في قيصرية (ما بين سنة 58 وسنة 60م) أو في أفسس (55 أو 56م). لكن الأرجح انه كتبها في روما للاعتبارات التالية[6]: 1. عندما عدد الرسول بولس العاملين معه يُصعب أن يحذف اسم القديس فيلبس البشير الذي قطن معه قبل سجنه بوقت قصير (أع 8:21- 14). 2. لا نجد أي تلميح في سفر أعمال الرسل عن الكرازة بأبعادها المتسعة المذكورة في الرسائل المصاحبة بين الأفسسيين وأهل فيلبي. 3. يصعب تصور أن أنسيموس العبد الهارب قد ذهب إلى قيصرية، لكن من المعقول انه ذهب إلى روما، حيث كانت مليئة بأمثاله. 4. كان بولس يترجى إفراجًا مبكرًا (في 19:1- 25)، هذا يصعب تحقيقه في قيصرية بدون تقديم رشوة؛ وهذا ما لا يقبله الرسول. لكن في روما يمكن أن يتوقع الإفراج عنه، غالبًا أثناء السنة الثانية من السنتين المذكوريتين في أعمال 30:28. كاتب الرسالة جاءت الشواهد الداخلية والخارجية تؤكد أن الرسول بولس هو كاتب الرسالة: جاء في مقدمة الرسالة أن كاتبيها هما بولس وتيموثاوس. إن كان الرسول بولس هو كاتب الرسالة إلى فليمون كما جاء بصريح العبارة: "أنا بولس كتبت بيدي" (في 19)، فإن قارنا هذه الرسالة بتلك نجد اشتراكهما في بعض المعالم الهامة، مثل ذكر الأشخاص العاملين مع الرسول: أبفراس ومرقس وأرستوخس وديماس ولوقا. كما أن الرسالة إلى فليمون كُتبت على يد أنسيمس بينما قام أنسيمس مع تيخكس بتوصيل الرسالة إلى كولوسي (كو 18:4). كُتبت الرسالتان وهو في سجن روما (كو 4: 18؛ 1:24). يليق بنا هذا أن نشير إلى أن الرسالة حملت ذات طابع رسائل القديس بولس في هيكلها حيث تبدأ بمقدمة تضم الشكر لله، تم تعرض الجوانب العقائدية يتبعها الجوانب السلوكية العملية. اعتراضات على كاتب الرسالة يعترض البعض بأن أسلوب الرسالة يختلف عن أسلوبه في الرسائل الأخرى. يُرد على ذلك بأن الرسالة عالجت بدعة ظهرت في كولوسي استدعت أن يكتب الرسول عن سيادة ربنا يسوع على كل ما هو مخلوق، وعن طبيعة المسيح وعمله، حتى صارت الرسالة مرجعًا كتابيًا هامًا لآباء الكنيسة للرد على بعض البدع، خاصة الرد على الأريوسية. يعترض البعض بأن الرسالة تعالج الميول الغنوسية، بينما لم تهاجم الغنوسية المسيحية إلا في القرن الثاني، فيكون كاتب الرسالة بعد القرن الأول. ويُرد على ذلك بأن الغنوسية كفرقٍ مستقلة ادعت أنها مسيحية ظهرت في القرن الثاني، لكنها حاولت أن تتسلل بأفكارها إلى الكنيسة منذ بدء نشأتها خلال اليهود الذين حملوا هذه الاتجاهات، وأيضًا بعض الهيلينيين كانوا يحملون ذات الاتجاهات. فلم تكن الغنوسية فرقًا محددة تحت قيادة شخص معين مثل مرقيون وفلانتينوس وباسيليدس إلا في القرن الثاني. لكنها موجودة حتى قبل المسيحية وقبلها يهود وهيلينيون. التعاليم بخصوص السيد المسيح تفوق ما ورد في غيرها من رسائل القديس بولس، خاصة دوره في الخلقة، مما يدل على أنها كُتبت بعد عصر الرسول. يُرد على ذلك أن وجود السيد المسيح السابق ورد أيضًا في الرسالة إلى أهل فيلبي (2: 9-11)، ودوره في الخلقة ورد في 1 كو 6:8، ولم يتشكك أحد في أصالة هذه العبارة الواردة في كورنثوس الأولى. نظرًا للتشابه العجيب بينهما وبين الرسالة إلى أهل أفسس ادعى بعض الدارسين أنها اعتمدت على الرسالة الأخيرة. ويُرد على ذلك بأنه بمقارنة النصوص المتشابهة في الرسالتين يتضح أن النصوص التي في كولوسي أقدم من التي وردت في أفسس. هذا وتوجد أيضًا نصوص متشابهة هنا مع نصوص الرسالة إلى أهل فيلبي تحمل ذات الالتهاب مع نفس الجو الروحي. غاية الرسالة يظهر هدف الرسالة من سياق الرسالة نفسها، فقد ذهب أبفراس إلى روما لينقل إلى الرسول بولس الأخبار السعيدة عن الكنيسة في كولوسي، حيث ملك الإيمان والمحبة (4:1، 5:2). غير أنه قد تسللت بدعة ما إلى المجتمع الكولوسي، هذه التي تقلل من شان السيد المسيح، فتنزعه عن العرش، وتنكر رئاسته للكنيسة. وقد أرسل القديس بولس هذه الرسالة مع أبفراس ليعالج هذه المشكلة. لكن أُلقى القبض على أبفراس وسجن، فبعث الرسول بها بيد تيخكُس (7:4-9)[7]. يرى البعض أن المنطقة المحيطة بكولوسي قد عانت الكثير من البدع، وقد أراد الرسول أن يحصنهم ضد هذه البدع التي يبدو أنها كانت تتسلل إليهم. إنه يمتدحهم لأجل تشجيعهم على الثبات في الإيمان ورفض البدع الغريبة: "فإني وإن كنت غائبًا في الجسد، لكني معكم في الروح، فرحًا، وناظرًا ترتيبكم ومتانة إيمانكم في المسيح، فكما قبلتم المسيح يسوع الرب، اسلكوا فيه" (كو 2: 5-6). بينما كتب إلى أهل غلاطية: "إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعًا عن الذين دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر. أيها الغلاطيون الأغبياء، من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق" (غل 6:1؛ 1:3). ركز الرسول بولس في هذه الرسالة على شخص السيد المسيح، لذا كان يكرر اسم المسيح فيها[8]. كتب الرسول بولس عن سمو السيد المسيح وألوهيته، مؤكدًا إنه الله، واحد مع الآب ومساوٍ له، يفوق كل الكائنات الأخرى. وكأنه كان يصرخ: "لا تسمحوا بأي شيءٍ يغتصب مكان المسيح، ولا تسمحوا لأحد أن يدفعكم لإنكاره. بدعة غنوسية يهودية ومعالجتها يبدو أن جماعة من اليهود انطلقت إلى فريجية واستقرت هناك. هذه الجماعة تقبلت بعض فلسفات هيلينية ترتبط بالغنوسيين، مزجوها مع بعض الطقوس اليهودية الحرفية. ادعوا بأن ما نالوه من ربنا يسوع لم يكن كافيا لإشباع احتياجاتهم الروحية والسلوكية، وأنهم في حاجة إلى تحصين أنفسهم ضد القوات غير المنظورة (سواء كانوا الملائكة الأشرار أو الأخيار) بما تقدمه لهم هذه العقيدة من العبادات. أهم هذه المبادئ الخاطئة تسللت هذه البدع إلى مجالين: مجال السلوك الأخلاقي ومجال العقيدة واللاهوت، حيث أساءت إلى شخص السيد المسيح. 1. قبل بعض اليهود بعض الأفكار الغنوسية، وخلطوها بأفكار يهودية، وإذ آمنوا بالسيد المسيح حملوا معهم هذه البصمات. وقد ركزت الغنوسية على "المعرفة gnosis" بكونها طريق الالتصاق بالله. بالنسبة لهم المعرفة ليست عطية إلهية تُوهب للمؤمن بالنعمة الإلهية وإعلاناته، هي استنارة يتمتع بها الإنسان خلال جهاده الذاتي بالتقشف والنسك. المعرفة عند الغنوسيين مختلفة عن المعرفة الهيلينية، فإنه وإن كان الاثنان ينكران تمتع الإنسان بالمعرفة أو الحكمة كعطية إلهية، غير أن الغنوسيين يرون أنها من جهد الإنسان خلال نسكه، بينما الهلينيون يرونها من جهد الإنسان خلال استخدامه للعقل. يرى الغنوسيون أن الإنسان مرتبط بالمادة الشريرة، ولن يقدر على الاقتراب من الله إلا بواسطة الكائنات الملائكية، التي تساعده على الخلاص من عالم المادة والخطية. وفي نفس الوقت يعتقد بعض الفلاسفة الهيلينيين أنه توجد أيونات Aeons كثيرة قادرة على رفع الإنسان عن عالم المادة والبلوغ به إلى الكائن الأعظم تدريجيًا. غالبًا ما كان عدد هذه الايونات أثني عشرة، كل يبعث بالإنسان إلى أيونٍ أعلى منه في الروحانية. 2. عبادة الملائكة: كتب إليهم الرسول: "لا يخسركم أحد الجعالة، راغبًا في التواضع وعبادة الملائكة، متداخلاً في ما ينظره، منتفخًا باطلاً من قبل ذهنه الجسدي" (كو 18:2). أساءوا تفسير العبارة: "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا" (تك 26:1)، مدعين أن الله جعل الملائكة يخلقون الإنسان. وبلغ بهم الأمر أن اعتقدوا بأن السيد المسيح نفسه صار خاضعًا لسلطانهم، خاصة عند نزوله إلى الأرض وصعوده بعد قيامته إلى السماء. لهذا جاءت الرسالة تؤكد أن السيد المسيح هو خالق السمائيين كما هو خالق الأرض وكل البشرية (كو 15:2). 3. لإرضاء هؤلاء الملائكة يلزم الالتزام بالامتناع عن الأكل والشرب لأطعمة وأِشربة معينة لأنها دنسة، كما يلزم ممارسة فرائض حرفية: لا تمس، لا تذق، ولا تحس. ادعوا أن التقشف يشبع احتياجات الإنسان الروحية، ويحقق مصالحة مع الله. لقد أكد الرسول أنه لا يمكن للممارسات الحرفية أن تجدد الطبيعة البشرية التي أفسدتها الخطية، إنما يتحقق ذلك بالدفن مع المسيح في المعمودية، حيث ننعم بالحياة المقامة أيضًا (كو 12:2). بهذا يصير الجهاد قانونيًا ومثمرًا. إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي حسب صورة خالقه" (كو 10:3). 4. حسبوا أن الخليقة المادية فاسدة ودنسة بما في ذلك الجسد البشري، ولهذا رفضوا تأنس المسيح بأنه صار إنسانًا حقيقيًا له جسد حقيقي. 5. ادَّعوا وجود درجات ملائكية متفاوتة، وأنه يوجد من بينهم من يستطيع أن يتوسط للإنسان لدى الله دون المسيح. اعتقد البعض أن السيد المسيح هو واحد من هؤلاء الوسطاء، مخلص بين المخلصين، ووسيط بين وسطاء آخرين. وأوضحت الرسالة شفاعة السيد المسيح الكفارية القائمة على ذبيحة الصليب (كو 14:1)، وقد قُبلت شفاعته، وصارت لنا معه الحياة مع غفران جميع الخطايا (كو 12:2- 13) 6. أوضح الرسول أن ما ينادي به الغنوسيون ليس إلا غرور حسب تقليد الناس (كو 8:2، 18). 7. لم يستطع هؤلاء اليهود التخلص من خلفيتهم اليهودية، لذا ظنوا أن الخلاص يتحقق خلال ممارسة الطقوس والشعائر والوصايا الخاصة بشريعة موسى حرفيًا، مثل طقوس حفظ السبت والأعياد الشهرية والسنوية، والامتناع عن الأطعمة غير الطاهرة، وممارسة الختان الخ. v اعتادوا أن يقتربوا إلى الله خلال الملائكة، وكانوا يحفظون ممارسات يهودية ويونانية. هذه الأمور كان الرسول يصححها[9]. القديس يوحنا ذهبي الفم جدير بالذكر أن التأثيرات الغنوسية وحركة التهود ظهرت في عدد من الكنائس الأخرى مثل كورنثوس، وقد انعكس هذا في إنكار قيامة الجسد، والسماح بالزنا، والاستهانة بالجسد الخ.، وإساءة فهم التنسك[10]. لم ترتبط الغنوسية بالمسيحية مباشرة، لكنها التصقت أيضًا ببعض اليهود في الشتات[11]. فإن هذا الاتجاه الغنوسي هو فكر ديني فلسفي أكثر منه نظام محدد، استطاع أن يجتذب وثنيين، ويهودًا، وبعد ذلك مسيحيين[12]. هذا وقد ظهرت الحركات الغنوسية وصارت فرقًا تمثل خطورة، تحت قادة لهم أثارهم على كثيرين، وذلك في القرن الثاني. كانت هذه الفرق من الغنوسيين مختلفة فيما بينهما، لكن توجد خطوط عريضة مشتركة، وقد سبق لي معالجة الغنوسيين بتوسع في دراستنا لمدرسة الإسكندرية[13]. بين الرسالتين إلى كولوسي وإلى أفسس صاحب الرسالة إلى أهل كولوسي والرسالة إلى أهل أفسس والرسالة إلى فليمون. فقد كتب الثلاثة في نفس الوقت. كتب الرسالة إلى أهل أفسس على يد تيخيكس، والرسالة إلى فليمون على يد أنسيموس، وإلى كولوسي بيد الاثنين معًا تخيكس وأنسيموس. تتشابه الرسالتان لأنهما موجهتان إلى منطقتين متقاربتين في آسيا الصغرى، وكان لشعبي المنطقتين سمات اجتماعية وسلوكية مشتركة. وأن الشعبين لم يكن لهما أصل يهودي بل هما من الأمم، وقد أبرز القديس بولس في الرسالتين سرٌ خطة الله لقبول الأمم ومشاركتهم لليهود الميراث السماوي، إذ أبطل السيد المسيح العداوة وخلق من الاثنين إنسانًا واحدًا (أف 15:2)، هذا السرٌ المكتوم منذ الدهور، لكنه الآن أُظهر لقديسيه ليتعرفوا على غنى مجد هذا السرٌ في الأمم (كو 6:1-7). مع تشابه الرسالتين في الصياغة، إلا أن كل منهما أكدت جانبًا معينًا. فتحدثت الرسالة إلى أهل أفسس عن كل المؤمنين بكونهم الجسد الواحد للسيد المسيح، أما الرسالة إلى كولوسي فركزت على الرأس الواحد للجسد، يسوع المسيح. تحدثت الأولى عن كنيسة المسيح، والثانية عن مسيح الكنيسة؛ وهما متكاملتان. يعتبر بعض الدارسين أن الرسالة إلى أهل أفسس هي امتداد طبيعي للرسالة إلى كولوسي. فالأخيرة سلّطت الأضواء على مكانة السيد المسيح وعمله لدحض الفكر الغنوسي الذي قلٌل من شأن السيد وحجب مكانته، وجاءت الرسالة إلى أهل أفسس تقدٌم حصيلة عمل السيد المسيح ألا وهي الكنيسة جسد المسيح التي كانت في خطٌة الله قبل تأسيس العالم، وأنها العروس المحبوبة جدًا لديه، خلالها تعرف الرؤساء والسلاطين في السماء على حكمة الله المتنٌوعة (أف 11:3). الأفكار الرئيسية في الرسالة 1. شخص يسوع المسيح إذا هاجمت الأفكار الغنوسية شخص ربنا يسوع المسيح، لذلك ركز القديس بولس هنا على عظمة السيد المسيح وسموُه بكونه الخالق للمنظورات وغير المنظورات، وفيه يقوم السمائيون والأرضيون (15:1-20). جاءت هذه الرسالة تقدم صورة أمينة عن السيد المسيح في مجده وكرامته. فالمسيح هو الكل في الكل، "رأس كل رياسة وسلطان" (10:2). هو كل شيء بالنسبة للمؤمن. في أيام الرسول بولس ظن البعض أن يسوع إنسان مجرد، وإن المسيح هو الروح الإلهي الذي حلّ عليه أثناء عماده وتركه على الصليب. هذا معناه أن المسيح لم يمت إنما الذي مات هو الإنسان يسوع. مع أنهم عبدوا المسيح لكنهم مجدوا القوات الوسيطة ككائنات روحية (16:1)، وتعبدوا لها مع المسيح. جاءت الرسالة تؤكد لاهوت السيد، وأن وحده فيه الكفاية دون حاجة إلى وسطاء آخرين معه. ظن البعض أن إله العهد القديم هو خالق العالم والمادة، وقد جاء السيد المسيح ليخلص العالم منه. لذلك أوضح الرسول بولس أن الخلاص قد تم بالمسيح، وأنه تحقق حسب إرادة الآب ومحبته. اعتاد أن يتحدث دومًا عن السيد المسيح والآب معًا ليحطم كل ميول غنوسية خاطئة (2:1؛ 2:2). 2. الإيمان والمعرفة رأينا أن الغنوسيين يتطلعون إلى المعرفة gnosis كأساس للإيمان، وأن الإنسان في قدرته أن يخلص بمعرفته التي هي ثمرة نسكه وجهاده الذاتي. تطلع بعض الغنوسيين إلى المسيحية أنها دعوة إلى الجهل. وقد أوضح الرسول بولس بطريقة إيجابية أن المعرفة لازمة وضرورية في خلاصنا، لكنها هي هبة من نعمة الله علينا. فالمعرفة الروحية التي تسمو فوق الفكر البشري يقدمها لنا الله، ويقدسها وينميها فينا بعمل روحه القدوس واهب الاستنارة. كثيرًا ما يكرر الرسول كلمة "يعرف" أو "معرفة" كما أعتاد أن يشير إلى "سرّ الله" أو "سرّ المسيح" ليوضح أن المعرفة مكتومة حتى عن السمائيين، يعلنها السيد المسيح لهم ولنا. يربط أيضًا الرسول المعرفة "بالسلوك في المسيح"، حتى لا ننشغل بالمعرفة النظرية، بل معرفة الخبرة اليومية بممارستنا الجديدة في المسيح يسوع. 3. الكنيسة الطبقية الاجتماعية يعتقد الغنوسيون بأن المجتمع ينقسم إلى طبقتين: 1. طبقة الكاملين، الذين يليق بهم ألا يتزوجوا، ولا يأكلوا أنواعًا معينة من الطعام، حيث أن الزواج دنس، وبعض الأطعمة غير طاهرة. 2. طبقة الوسطاء غير الكاملين، يُسمح لهم بالزواج، ويأكلوا ما يشاءون، لأنهم ضعفاء. أزال الرسول بولس هذا التمايز الطبقي متحدثًا عن السيد المسيح أنه يصالح الكل لنفسه (20:1)، وكثيرًا ما يكرر كلمة "كل" أو "جميع" في آية واحدة (28:1). 4. العقيدة والسلوك تكشف لنا هذه الرسالة عن عظمة شخصية السيد المسيح بصورة رائعة، غير أنه لا يدرك هذه العظمة إلا الذين يعيشون في المسيح يسوع، فيعرفون من كنوز نعمته، ويجدون فيه كل الشبع الحقيقي، فهي رسالة عقائدية عملية. أولاً: المسيح حياتنا في الرسالة إلى أهل رومية ندرك أن المسيح برّنا، وفي كورنثوس الأولى المسيح غنانا، وكورنثوس الثانية المسيح راحتنا، وغلاطية المسيح محررنا، وأفسس المسيح حياتنا (نحن جسده)، وفيلبي المسيح سعادتنا، وفي تسالونيكي الأولى والثانية المسيح قادم لمجدنا، وتيموثاوس الأولى وتيطس المسيح معلمنا، وتيموثاوس الثانية المسيح مثال لنا، وفليمون المسيح مثال لنا كسيد، والعبرانيين المسيح شفيعنا الكفاري، أما كولوسي فالمسيح هو كل شيءٍ لنا. "وأنتم مملوءون فيه" (كو 10:2). نجد فيه كل شيء ولا يعوزنا شيء: v فهو النور الذي ينقذنا من سلطان الظلمة (12:1-13)، لنصير نحن أنفسنا نور العالم. v وهو المخلص الذي يخلصنا من سلطان إبليس وكل إثارة، إذ "لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا" (14:1). v ينقلنا إلى ملكوته، أي مملكة ابن محبة الآب (13:1). فبالمعمودية باسمه نتمتع بالبنوة للآب، ونُحسب أولاد الله المحبوبين. v من جهة لاهوته فهو صورة الآب غير المنظور (15:1)، فيه تتجدد طبيعتنا، لنصير نحن حسب صورته: "ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة، حسب صورة خالقه" (10:3). في آدم الأول فقدنا صورة الله، في آدم الثاني استرددنا الصورة. v هو الخالق، فيه خٌلق الكل (16:1)، حملنا فيه كجسدٍ له، وقادنا مستنيرين فيه لننعم بحياته المُقامة: "الذي هو البداءة، بكر من الأموات، لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء" (1: 18)، "لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (3:3). v صار رأسًا لنا نحن جسده، يتقدمنا في كل شيء (18:1)، لكي يكون مثالاً لنا في كل شيءٍ. v بعمله الخلاصي كشف لنا سرٌ الحب الإلهي الفائق، فتمتعنا بالرجاء في المجد: "الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد" (27:1). "متى أُظهر المسيح حياتنا، فحينئذ تٌظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (4:3). إن كانت الغنوسية قد أساءت إلى شخص المسيح وجعلته كأحد الأيونات، فإن الرسول بولس يدعونا إلى التمتع بالشركة معه لنختبر آلامه: "أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده" (24:1)، وموته: "لأنكم قد متم" (3:3)، ودفنه: "مدفونين معه في المعمودية" (12:2)، وبالتالي نشترك في مجده: "تظهرون أنتم معه في المجد" (4:3). هكذا لا يعوزنا السيد المسيح شيء! إذ تدعوهم الغنوسية إلى المعرفة العقلية البحتة كطريق الخلاص، فإن اقتناء المسيح هو الطريق الحقيقي، إذ هو "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (3:2). ثانيًا. الكنيسة في المسيح أ. الكنيسة متحدة مع المسيح بكونه رأسها (18:1)، فبتجسده لم يصر غريبًا عنها، ولا هي غريبة عنه، بل جسده. هذا الفكر جاءت أصوله في كلمات ربنا يسوع نفسه (مر 58:14، يو19:2، 22)[14]. يلصقنا به بالسيد المسيح ويوحدنا معه، بكونه رأس الرجل (1 كو 3:11). علاقته بنا علاقة زواج روحي. "لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد" (أف 23:5). ب. تجد الكنيسة راحتها في المسيح في وسط آلامها، حيث تحسب الألم تكميل نقائص شدائد المسيح، وهي تشهد للصليب، وتختبر عذوبة الشركة مع مسيحها المصلوب (24:1). ج. فتح السيد المسيح للكنيسة الطريق، إذ وهبها أن تسلك فيه (6:2). فعلاقتها به علاقة حركة مستمرة، تعمل دومًا لتحقق عمل عريسها السماوي. إنها متأصلة ومبنية فيه (7:2)، تمارس كل شيءٍ باسمه، خاصة الشكر للآب (3: 17؛ 7:2). د. تتمتع الكنيسة بالملء في المسيح (10:2)، لن تقبل إلا أن تكون على صورته فتشعر بالشبع. ه. تموت معه (20:2)، وتُدفن معه (12:2)، وتقوم معه (1:3)، وتختفي معه (3:3)، وتظهر معه في المجد (4:3). و. نالت التجديد بالمعمودية، ويبقى تجديدها مستمرًا بالتوبة حتى تحمل صورته تمامًا (10:3). ز. تشعر بالغنى والحياة الملوكية، إذ تقتني من فيه كنوز الحكمة والفهم (2:2، 3؛ 16:4). ح. دستورها الإيمان بالمسيح والحب العملي للإخوة، والرجاء في السماوات (4:1-5). هذا هو مفتاح السفر "الإيمان والرجاء والمحبة. هذه النعمة من جوانبها الثلاثية ترتبط دومًا في العهد الجديد بخبرة الحياة المسيحية. هذا الدستور يقدم في هذا السفر بطرق متنوعة[15]. جاء هذا السفر كغيره من رسائل معلمنا بولس الرسول يكشف عن دعوة الإنجيل إلا وهي: الإيمان بالمسيح، لكي نحبه في إخوته، ونوجد معه في سماواته. ط. تكشف هذه الرسالة عن روح الكنيسة وجوها المتهلل، فمع أن الرسالة تهدف نحو الحذر من المعلمين الكذبة وأصحاب الفلسفات الباطلة والغرور، إلا أنها تعلن بكل وضوح عن ما يجب أن تكون عليه الكنيسة باقتنائها مسيحها الرأس الذي يهبها كل غنى وملء، تختبر السلطان على إبليس وكل قواته، حيث لا مجال للظلمة بعد فيها، وتختبر ملكوت الله المفرح، وتسلك في الطريق الملوكي لتصير أيقونة خالقها، هكذا يقدم الرسول خبرته الكنسية كحياة منتصرة متهللة مجيدة حتى وسط الآلام. ي. هذه الحياة الكنسية المتهللة، لا تدفع نحو التسيب والإهمال، بل نحو السلوك الجاد "في المسيح" (6:1)، وطلب السماويات (12:3)، خاصة المحبة التي هي رباط الكمال. في جدية ينفتح باب القلب ليملك سلام الله فيه، ويمارس حياة الشركة الدائمة (15:3). تدفعنا حياتنا الكنسية المتهللة للسهر مع الشكر والصلاة والكرازة بسرٌ المسيح (2:4، 3). وترشدنا في العلاقات الأسرية (18:3-21)، وتقودنا في علاقتنا مع الغير (21:3-25). إنها حياة تُمارس في الكنيسة والبيت والعمل وفي الشارع، لأنها حياة داخلية، جذورها في أعماقنا. إنها توجه مشاعرنا وأحاسيسنا وطاقتنا ومواهبنا وكلماتنا وسلوكنا. تتدخل في كل تصرف خفي وظاهر بمعنى آخر، مسيحيتنا هي اختفاء في المسيح، فنراه في كل أحدٍ، يقودنا بنفسه لنتمتع به. ك. تكشف هذه الرسالة عن المسيحية إنها دعوة عملية للتمتع بالحرية، حيث حررنا المسيح من إبليس وظلمته، ووهبنا البنوة للآب لنتمتع بملكوته، وقدم لنا نفسه الحكمة. خلال هذه الحرية نرفض كل دعوة لقيود الحرف القاتل والفهم الخاطئ للنسك، فنخدم مسيحنا كأبناء في مجدٍ. هذه الحرية في المسيح تدفعنا نحو التزامات معينة، فتقدم هذه الرسالة لنا ما يجب أن نتجنبه، وما يلزمنا أن نجاهد فيه، وكيف ينبغي أن نحيا شاكرين[16]. أقسامها إذ تقدم لنا الرسالة شخص السيد المسيح، فإننا أينما تطلعنا يتجلى أمامنا. ففيه نحن متأصلون (23:1)، وهو الأزلي الذي يحملنا إلى أبديته. يهبنا النمو الدائم ليدفعنا إليه (7:2). هو الحياة واهب كل شيءٍ (3:3)، وهو القائد لسلوكنا. 1. المسيح هو العمق ص 1. 2. المسيح هو العلو ص 2. 3. المسيح هو داخلنا ص 3. 4. المسيح قائد سلوكنا ص 4. من وحي كولوسي أنت لي كل شيء! v أنت هو سرّ الحب كلّه! من أجلي صرت يا كلمة اللَّه إنسانًا. تحمل كل ملء اللاهوت، لأنك واحد مع أبيك، لاهوتك لن يفارق ناسوتك! v وهبتني أن أتّحد بك، فأتمتع بالملء ولا اعتاز إلى شيء. أنت لي كل شيء. أنت غافر خطاياي، وواهبني برّك، صرت حُريّتي وكنزي، صرت مجدي وتهليل قلبي! تحملني فيك، فاكتشف السرّ الإلهي الفائق. تحضرني فيك كاملاً، تؤهّلني بروحك القدّوس أن أطير، وأكون في حضن أبيك! v أتمتّع بك، فاستتر فيك، وأنت تسكن فيّ، فلا تقدر كل قوّات الظلمة أن تقترب إليّ. رفعتني فوق حرف الناموس، ودخلت بي إلى حرية مجد أولاد اللَّه. صرت لي العمق والعلوّ، تحملني إلى أعماق أسرارك، وترفعني إلى علوّ السماوات. تقود حياتي الداخليَّة، لأنك تقطن فيّ! وتقدم ذاتك لي حياة ودستورًا. بك أسلك في طريقي إلى الآب. بك أعرف كيف أسلك مع كل إنسان! ماذا يعوزني بعد؟ مترجّيًا قيام الكل وخلاصهم بك. v بك أدخل إلى الأعماق، أتلامس معك، فأتعرّف على الآب خلالك. فأنت صورة الأب غير المنظور. صورة الوحدة معه في ذات جوهره. أراك فأراه. أتعرّف عليك فامتلئ من كنوز الحكمة والفهم. v بك أتعرّف عليك، يا خالق المسكونة وضابط الكل، والمعتني بكل صغيرة وكبيرة. v أدخل إلى سرّ كنيستك، فاكتشف قيادتك لها يا أيها الرأس المحب لجسده. تهبها روحك القدّوس، ليهيّئها للّقاء الأبدي معك. تصير بالحق العروس السماويّة التي بلا عيب ولا لوم. يصير لها حق الشركة في المجد، لأنها جسدك المقدس. تتمتع مع كل لحظة بملء أكثر فأكثر، حتى تصير أيقونتك الحيّة. أبعاد الحياة الجديدة في المسيح (1) المسيح هو العمق 23:1 v كخالق وبكر ورئيس ورأس يدخل بنا إلى الأعماق ليرتفع بنا إلى المصالحة مع الآب (14:1-20). v به نال السّر الأزلي (1: 26). v به يحضرنا كاملين في الحكمة (28:1). (2) المسيح هو العلّو v فوق كل فلسفة بشرية (8:2). v فوق ختان الجسد (11:2). v فوق قوات الظلمة (15:2). v فوق حرف الناموس (16:2). فوق أركان العالم (الأرواح المسيطرة) (20:2). (3) المسيح هو مجد الحياة الداخلية حياتنا مستترة معه (3: 3). مجد أبدي (4: 3). تحمل سماته, خاصة: الحب. الحكمة. الشكر. (4) المسيح قائد الحياة الخارجية v هو دستور الأسرة (3: 18-25). هو دسـتور الجمـاعة (1:4). v التزامـنا بتقديمه للعالم (5:4).
العهد الجديد
الكتاب المقدس
العهد القديم
الكتاب المقدس
الاسفار القانونية الثانية
الكتاب المقدس
خدمات الموجة القبطية
خدمات الموجة القبطية