اليوم الرابع ( الخميس ) من الأسبوع السادس من الصوم الكبير
اليوم الرابع ( الخميس ) من الأسبوع السادس من الصوم الكبير
اليوم الرابع ( الخميس ) من الأسبوع السادس من الصوم الكبير
اليوم الرابع ( الخميس ) من الأسبوع السادس من الصوم الكبير
يو 6 : 47 - 71 47 الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فله حياة ابدية 48 انا هو خبز الحياة 49 اباؤكم اكلوا المن في البرية و ماتوا 50 هذا هو الخبز النازل من السماء لكي ياكل منه الانسان و لا يموت 51 انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد و الخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم 52 فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين كيف يقدر هذا ان يعطينا جسده لناكل 53 فقال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان لم تاكلوا جسد ابن الانسان و تشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم 54 من ياكل جسدي و يشرب دمي فله حياة ابدية و انا اقيمه في اليوم الاخير 55 لان جسدي ماكل حق و دمي مشرب حق 56 من ياكل جسدي و يشرب دمي يثبت في و انا فيه 57 كما ارسلني الاب الحي و انا حي بالاب فمن ياكلني فهو يحيا بي 58 هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما اكل اباؤكم المن و ماتوا من ياكل هذا الخبز فانه يحيا الى الابد 59 قال هذا في المجمع و هو يعلم في كفرناحوم 60 فقال كثيرون من تلاميذه اذ سمعوا ان هذا الكلام صعب من يقدر ان يسمعه 61 فعلم يسوع في نفسه ان تلاميذه يتذمرون على هذا فقال لهم اهذا يعثركم 62 فان رايتم ابن الانسان صاعدا الى حيث كان اولا 63 الروح هو الذي يحيي اما الجسد فلا يفيد شيئا الكلام الذي اكلمكم به هو روح و حياة 64 و لكن منكم قوم لا يؤمنون لان يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون و من هو الذي يسلمه 65 فقال لهذا قلت لكم انه لا يقدر احد ان ياتي الي ان لم يعط من ابي 66 من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء و لم يعودوا يمشون معه 67 فقال يسوع للاثني عشر العلكم انتم ايضا تريدون ان تمضوا 68 فاجابه سمعان بطرس يا رب الى من نذهب كلام الحياة الابدية عندك 69 و نحن قد امنا و عرفنا انك انت المسيح ابن الله الحي 70 اجابهم يسوع اليس اني انا اخترتكم الاثني عشر و واحد منكم شيطان 71 قال عن يهوذا سمعان الاسخريوطي لان هذا كان مزمعا ان يسلمه و هو واحد من الاثني عشر + + + "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية". (47) يعلن السيد المسيح في حديثه هذا أن المؤمن: 1. يجتذبه الآب خلال أعمال ابنه الخلاصية الجذابة. 2. يسمع تعاليمه. 3. يقبل الخلاص المقدم له. 4. يقتات بالخبز السماوي. 5. يُحفظ في الإيمان. 6. لا يهلك بل يقوم في اليوم الأخير. 7. يتمتع بالحياة الأبدية. + باعتباره الحياة الأبدية يعد أن يعطي نفسه للذين يؤمنون به، أي "يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا" (أف 3: 17). القديس كيرلس الكبير + ليت ما يلي ذلك يحثنا: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة الأبدية". إنه يود أن يعلن ذاته من هو. إنه يقول من يؤمن بي يقتنيني. لأن المسيح نفسه هو اللَّه الحقيقي والحياة الأبدية. لذلك يقول: من يؤمن بي يدخل فيّ، ومن يدخل فيّ أكون له. وماذا يعني "أكون له"؟ تكون له الحياة الأبدية. القديس أغسطينوس "أنا هو خبز الحياة". (48) "آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا". (49) هذا المن لم يحفظ أجسادهم من الموت، ولا وهبهم حياة أبدية. هذا حسب مفهومهم هم، إذ كانوا يعتبرون آباءهم قد هلكوا في البرية، وليس لهم حياة أبدية. أكلهم المن لم يحفظهم من غضب الله الذي حل عليهم بسبب تمردهم المستمر وتذمرهم في البرية (1 كو 10: 3-5). + إنه يؤسس شيئا لكي يجتذبهم، وهو أنهم يحسبون قد تأهلوا إلي أمور أعظم مما لآبائهم (يقصد الناس العجيبين الذين عاشوا في أيام موسى، فإنه بعد قول أن الذين أكلوا المن ماتوا أكمل "إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلي الأبد" (51). القديس يوحنا الذهبي الفم "هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت". (50) مقابل هذا جاء السيد ليقدم جسده خبزًا يسند أجسادهم فيمجدها ويهبها شركة مع النفوس إلى الأبد. + الابن وحده وبحق هو خبز الحياة، والذين اشتركوا فيه مرة واختلطوا به بطريقة ما من خلال الشركة معه فقد ظهر أنهم فوق رباطات الموت نفسه. وقد سبق أن قلنا مرارًا أن المن يؤخذ بالأحرى كرمزٍ أو ظلٍ للمسيح، وكان يمثل خبز الحياة، ويسندنا المرتل في هذا صارخًا بالروح: "أعطاهم خبزًا من السماء، أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 7?: 24-25)... هنا الكلام موجه لنا نحن، لأنه أليس من الحماقة والجهل الشديد أن يفترض أن الملائكة القديسين الذين هم في السماء، بالرغم من أن لهم طبيعة غير جسدية، يمكنهم أن يشتركوا معنا في طعامٍ ماديٍ كثيفٍ؟ القديس كيرلس الكبير + إلى يومنا هذا نتقبل الطعام المنظور، فالسرّ شيء، وفاعلية السرّ أمر آخر. كم من كثيرين يتناولون من المذبح ويموتون؟ يموتون حقًا بتناولهم إيّاه! لذلك يقول الرسول: "يأكل ويشرب دينونة لنفسه" (1 كو 11: 29). فإنه أليس ما أخذه في فمه من الرب كان سُمًّا ليهوذا. ومع ذلك أخذه، وعندما تناوله دخله العدو، ليس لأن ما تناوله أمر شرير، وإنما لأنه هو شرير، تناول ما هو صالح بطريقة شريرة. إذن انظروا أيها الاخوة إنكم تتناولون الخبز السماوي بمعنى روحي، قدموا طهارة للمذبح. فمع أن خطاياكم يومية فعلى الأقل لا تسمحوا أن تكون مميتة. قبل أن تقتربوا إلى المذبح ضعوا في اعتباركم حسنًا أن تقولوا: "اغفر لنا ما علينا، كما نغفر نحن أيضًا لمن لنا عليهم". أنتم تغفرون فيُغفر لكم. اقتربوا في سلام، إنه خبز لا سم. ولكن انظروا إن كنتم تغفرون، فإنكم إن لم تغفروا تكذبون، وتكذبون على ذاك الذي لا يُخدع. يمكنك أن تكذب على اللَّه لكنك لا تقدر أن تخدعه. القديس أغسطينوس "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم". (51) + أموت لأجل الجميع، لكي أحيي الجميع بذاتي. وقد صيَّرت جسدي فدية لأجل الجميع. لأن الموت سوف يموت في موتي، ومعي ستقوم طبيعة الإنسان الساقطة. فمن أجل هذا صرت مثلك أيها الإنسان، صرت من ذرية إبراهيم حتى "أشابه اخوتي في كل شيء" (عب 2: 17). + يعطي جسد المسيح حياة لكل من يشترك فيه، لأنه يطرد الموت، حتى يأتي ويدخل إلى أناسٍ مائتين، ويزيل الفساد، إذ أن (جسد الكلمة) ممتلئ بالكامل بالكلمة الذي يبيد الفساد. القديس كيرلس الكبير + لا تجعل فمك مستعدًا بل قلبك... إذ نقبله نعرف ما نفكر فيه. نقبل فقط القليل وننتعش في القلب. ما يقوتنا ليس ما نراه بل ما نؤمن به. لهذا فنحن لا نطلب ما يمس حواسنا الخارجية، ولا نقول: "ليؤمن الذين يرون بأعينهم ويلمسون بأيديهم الرب نفسه بعد قيامته إن كان ما يُقال هو حق إننا لم نلمسه، فلماذا نؤمن؟" القديس أغسطينوس يشير القديس يوحنا الذهبي الفم إلى ثمار الإفخارستيا: + يكون للذين يشتركون فيهما (جسد الرب ودمه) رزانة النفس، غفران الخطايا، شركة الروح، بلوغ ملكوت السماء، الدالة لديه، وليس للحكم والدينونة. القديس يوحنا الذهبي الفم يصف القديس إيريناؤس الإفخارستيا أنها خبز الخلود، كما يدعوه القديس أغناطيوس الأنطاكي دواء الخلود. + في الأيام الأخيرة لخص كل شيء في نفسه؛ فقد جاء ربنا إلينا ليس حسب إمكانياته هو، وإنما حسبما نستطيع نحن أن نراه. حقًا كان يمكنه أن يأتي إلينا في مجده الذي لا يُعبّر عنه، لكننا لم نكن قادرين أن نحتمل عظمة مجده. ولهذا السبب قدم خبز الآب الكامل نفسه لنا في شكل لبنٍ بكوننا أطفالاً صغار. هكذا كان مجيئه كإنسان لكي نتقوّت، أقول، من صدر جسده، وبمثل هذا اللكتات (فرز اللبن) نعتاد أن نأكل كلمة اللَّه ونشربه، فنحمل في داخلنا خبز الخلود، الذي هو روح الآب. القديس إيريناؤس "فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين: كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟" (52) يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم علي هذه العبارة أنه ما كان يليق باليهود أن يتساءلوا هكذا بعد أن رأوا معجزة الخبزات. كما جاء في تعليقه أيضًا: + يلزمنا أن نفهم الأسرار، ما هي، ولماذا أعطيت، وما النفع منها. نصير جسدًا واحدًا، و"أعضاء جسده ومن عظامه" (أف 5: 30). ليت المتناولون يتتبعون ما أقوله. لكي ما نصير هكذا ليس بالحب وحده، بل وبالفعل ذاته، لنتحد بهذا الجسد. هذا يتحقق بالطعام الذي قدمه لنا مجانًا، مشتاقًا أن يظهر حبه لنا. لهذا مزج نفسه بنا، وعجن جسد بأجسادنا، لكي نصير واحدًا، كجسد يتحد بالرأس... يقودنا المسيح إلي صداقة حميمة ليظهر حبه لنا. إنه يهب الذين يرغبونه ليس فقط أن يروه بل يلمسوه ويأكلوه، ويثبتوا أسنانهم في جسده، ويقبلون ويشبعون كل حبهم له. ليتنا نعود من تلك المائدة كأسود تتنفس نارًا ترعب الشيطان، مفكرين في رأسنا وفي حبه الذي أظهره لنا. غالبًا ما يقدم الآباء أبناءهم لآخرين كي يطعموهم؛ أما هو فيقول: "أما أنا فلا أفعل ذلك، أنا أطعمتكم بجسدي، مشتاقًا أن تصيروا جميعكم مولودين ميلادًا جديدًا ولكم رجاء صالح في المستقبل. فإن من يعطيكم ذاته هنا كم بالأكثر يعطيكم فيما بعد. أردت أن أصير أخاكم، ومن أجلكم شاركتكم في اللحم والدم، وأعود فأعطيكم الجسد والدم لكي بذلك أصير قريبكم". هذا الدم يجعل صورة ملكنا متجددة فينا، تبعث جمالاً لا ُينطق به، ولا تدع سمو نفوسنا أن ينزع منا، بل ترويه دائما وتنعشه. الدم الذي يستخرج من طعامنا لا يصير دمًا في الحال بل يصير شيئًا آخر، أما هذا فلا يفعل هكذا، إنما في الحال يروي نفوسنا، ويعمل فيها بقوة قديرة. هذا الدم السري إن تناولنا بحق يطرد الشياطين، ويجعلهم بعيدين عنا، بينما يدعو الملائكة ورب الملائكة إلينا. فحالما يرون دم الرب تهرب الشياطين وتركض الملائكة معا... سفك هذا الدم وجعل السماء سهلة المنال. v بالحق مهوبة هي أسرار الكنيسة، مهوب بالحق هو المذبح. ينبوع يصعد من الفردوس، ويفيض بأنهار مادية؛ من هذه المائدة يصدر ينبوع يبعث انهارًا روحية. القديس يوحنا الذهبي الفم + رب الجميع نفسه الذي يريدنا أن نكون هكذا يقول بالنبي إشعياء: "لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض، هكذا طرقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم" (إش 55: ?-?). لكن ذاك الذي يفوقنا بما لا يُقاس من عظمة في الحكمة والقدرة، كيف لا يفعل شيئًا عجيبًا يفوق فهمنا؟... إن كنت تصر أيها اليهودي قائلاً: كيف؟ فإني أيضًا أقول لك... كيف خرجت من مصر؟ كيف تحولت عصا موسى إلى حية؟... لو طبقت كلمة "كيف" لما آمنت أبدًا بالكتاب كله، ولطرحت عنك كل كلمات القديسين. + الذين آمنوا الآن لهم القوة على التعلم أيضًا. لأنه هكذا يقول إشعياء النبي: "إن كنتم لا تؤمنون فلن تفهموا" (إش 7: ?). لهذا كان من الصواب أن يتأصل فيهم الإيمان أولاً ثم يأتي بعد ذلك الفهم للأمور التي يجهلونها. القديس كيرلس الكبير + وكما اضطرب نيقوديموس إذ قال: "كيف يمكن الإنسان أن يُولد وهو شيخ، ألعله يقدرًان يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟" (يو 3: 4)، هكذا اضطرب هؤلاء إذ قالوا: "كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟" القديس يوحنا الذهبي الفم + يعرف المؤمنون جسد المسيح إن لم يهملوا في أن يكونوا جسد المسيح. ليصيروا جسد المسيح إن أرادوا أن يعيشوا بروح المسيح. القديس أغسطينوس "فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان، وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم". (53) + إن كان بلمسة جسده المقدس وحدها (في إقامة ابنة يايرس لو ?: 54؛ وإقامة الشاب وحيد أمه لو 7: 12-14) يعطي حياة لجسد تحلل فكيف لا ننتفع نحن بأكثر غنى بالبركة (التناول) التي نشترك فيها، إذ حين نتذوقها أيضًا ننال الواهب الحياة؟ لأنه سوف تتحول بالتأكيد إلى خيرنا الذاتي، أي الخلود... نحن القابلون للفساد بطبيعة جسدنا، نهجر ضعفنا الطبيعي باختلاطنا بالحياة، ونتبدل إلى خاصية الحياة. فالأمر لا يحتاج فقط إلى إعادة خلقة للنفس بالروح القدس إلى جدة الحياة، بل وأن ذاك الجسد الأرضي الغليظ يلزمه أن يتقدس ويُدعى إلى عدم الفساد بواسطة الشركة الأكثف والأقرب. القديس كيرلس الكبير يندهش القديس كيرلس الكبير من اليهود الذين آمنوا أنه بأكل لحم خروف الفصح ونضح دمه على الأبواب يهرب الموت منهم، ويُحسبوا مقدسين، ولن يعبر بهم المهلك، فكيف لا يؤمنون بأن تناول جسد حمل الله ودمه يهبهم الحياة الأبدية. + عندما أعطانا كلاً من جسده ودمه انتعاشًا صحيًا، وباختصار حلَّ سؤال عظيم بخصوص الكمال (أي كل من الرأس المسيح والجسد الكنيسة). ليت الذين يأكلون يستمرون في الأكل، والذين يشربون أن يشربوا. ليت الجائعون والظمأى يأكلون الحياة ويشربون الحياة... فإن الأمر سيكون هكذا، أي أن جسد المسيح ودمه يكونان حياة الإنسان. إن كان ما نأخذه في السرّ هو أمر منظور فإنه في الحق نفسه يؤكل ويُشرب روحيًا. القديس أغسطينوس + الطعام المدعو "إفخارستيا"، لا يًسمح لأحد أن يشترك فيه إلا من يؤمن أن ما نعلم به هو حقيقي، وأن يغتسل بالغسل، أي غفران الخطايا للميلاد الجديد، وأن يحيا كما علمنا المسيح. فإننا لا نقبل هذا كخبز عام ولا شرب عام، بل أن يسوع المسيح مخلصنا صار جسدًا بلوغوس لله؛ أخذ جسدًا ودمًا لأجل خلاصنا، هكذا نحن تعلمنا أن الطعام المقدس بالصلاة التي لكلماته، والذي ينتعش به جسدنا ودمنا بالتحول transmutation من جسد يسوع ودمه هذا الذي صار جسدًا ودمًا. القديس يوستين الشهيد + بخصوص صدق الجسد والدم لا يوجد أي مجال للشك. فإنه الآن بإعلان الرب نفسه وإيماننا، هو جسد حقيقي ودم حقيقي. وما يؤكل ويشرب يعبر بنا لكي نكون في المسيح والمسيح فينا. القديس هيلاري أسقف بواتييه + نقدم له ما له ما معلنين باستقامة الشركة والاتحاد للجسد والروح. فكما أن الخبز الذي ينتج عن الأرض عندما يقبل استرحام (دعوة) الله لا يعود بعد خبزًا عاديًا بل إفخارستيا، يحوي حقيقتين: حقيقة أرضية وحقيقة سماوية، هكذا أيضًا أجسادنا إذ تتقبل الإفخارستيا لا تعود قابلة للفساد إذ تترجي القيامة للأبدية. + بدمه خلصنا... وإذ نحن أعضاءه ننتعش أيضا بوسائل خليقته... إنه يعرف الكأس (وهي جزء من الخليقة) إنها دمه، التي منها يندى دمنا، والخبز (وهو أيضًا جزء من الخليقة) قد أقامه كجسده، الذي منه يهب نموًا لأجسادنا... لذلك فإن الكأس الممزوجة والخبز المكسور... يصير إفخارستيا دم المسيح وجسده، منه ينمو جسدنا ويستند، فكيف يمكن للهراطقة أن يؤكدوا أن الجسد عاجز عن تقبل عطية الله، التي هي الحياة الأبدية، والتي ينتعش (الجسم) بجسد الرب ودمه ويصير عضوًا له؟ فإن الطوباوي بولس يعلن أننا "أعضاء جسمه، من جسده وعظامه" (أف 5: 30). لا يتحدث بهذه الكلمات عن الإنسان الروحي غير المنظور، فإن الروح ليس له عظم ولا الجسد، إنما يشير إلى ذلك التدبير الذي به صار الرب إنسانا حقًا يحوى جسمًا وأعصاب وعظام، ذاك الجسد الذي ينتعش بالكأس الذي هو دمه ويتقبل نموًا من الخبز الذي هو جسده... هكذا أيضًا أجسامنا إذا تنتعش به فإنها إذ تودع في الأرض وتتحلل هناك ستقوم في الوقت المعين، يهبها لوغوس الله القيامة لمجد الله اللآب، هذا الذي يهب مجانًا المائت عدم الموت والفاسد عدم الفساد، إذ قوة الله تكمل في الضعف (2 كو 12:9). القديس ايريناؤس + يوجد كأس، به تطهر حجرات النفس الخفية، كأس لا حسب التدبير القديم، ولا ممتلئ من كرمة عامة، بل كأس جديد، نازل من السماء إلى الأرض (يو 50:6-51)، مملوء بالخمر المعصور من عنقود عجيب معلق في شكل جسدي على خشبة الصليب، كما يتدلّى العنب من الكرمة. من هذا العنقود إذن الخمر الذي يفرح قلب الإنسان (قض 13:9)، يزيل الحزن، ينسكب فينا ويحمل رائحة الدهش التي للإيمان والتقوى الحقيقية والطهارة. القديس أمبروسيوس "من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير". (54) + لم يقل صار في الجسد بل صار جسدًا، لكي يوضح الاتحاد. ونحن لا نقول إن الله الكلمة الذي من الآب قد تحول إلى طبيعة الجسد، أو أن التجسد تحول إلى الكلمة... لكن بطريقة لا يُنطق بها وتفوق الفهم البشري اتحد الكلمة بجسده الخاص، وإذ ضمه كله إلى نفسه... قد طرد الفساد من طبيعتنا وأزاح أيضًا الموت الذي ساد من القديم بسبب الخطية. لذلك فإن كل من يأكل من الجسد المقدس الذي للمسيح فله الحياة الأبدية، لأن الجسد له في ذاته الكلمة الذي هو للحياة بالطبيعة. لهذا يقول: "وأنا أقيمه في اليوم الأخير". وبدلاً من القول "جسدي يقيمه" أي يقيم كل من يأكل جسدي، قد وضع الضمير "أنا" في عبارة "أنا أقيمه"، لا كأنه شيء آخر غير جسده الخاص به، لأنه بعد الاتحاد لا يمكن أبدًا أن ينقسم إلى اثنين. لهذا يقول: "أنا الله صرت فيه، من خلال جسدي الخاص نفسه، أي إنني سأقيم في اليوم الأخير ذاك الذي يأكل جسدي. لأنه كان من المستحيل حقًا أن الذي هو الحياة بالطبيعة ألا يقهر الفساد بشكلٍ أكيدٍ، وألا يسود على الموت. القديس كيرلس الكبير يرى القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح وهبنا جسده واهب الحياة كخميرة تُلقى فينا، فيصير العجين كله مخمرًا. وكما تصير الخميرة في العجين كذلك العجين في الخميرة، هكذا يثبت المسيح فينا ونحن فيه. مرة أخرى يقدم لنا جسده ودمه كبذارٍ في أعماقنا [هكذا يخفي ربنا يسوع المسيح الحياة فينا من خلال جسده الخاص، ويغرسها كبذرة خلود، فيبيد كل الفساد الذي فينا]. v لئلا يظنوا أن الوعد بالحياة الأبدية في هذا الطعام والشراب بطريقة بها لا يموتوا الآن جسديًا، تنازل وواجه هذا الفكر عندما قال: "من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية"، للحال أكمل: "وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (54). بهذا فإنه حسب الروح تكون له حياة الأبدية في الراحة التي تنالها أرواح القديسين، أما بالنسبة للجسد فإنه لا تسلب منه حياته الأبدية، إنما على العكس سينالها في قيامة الأموات في اليوم الأخير. القديس أغسطينوس "لأن جسدي مأكل حق، ودمي مشرب حق". (55) + ماذا يقول؟ إما انه يود القول بأنه طعام حقيقي يخَّلص النفس، إذ يؤكد لهم... أنه لا يليق بهم أن يظنوا أن كلماته لغز أو مثل، بل ليعرفوا على وجه الخصوص أنه توجد حاجة لأكل الجسد. القديس يوحنا الذهبي الفم + أشبع طعام المن حاجة الجسد زمانًا يسيرًا جدًا، أبعد ألم الجوع، لكنه صار بعدها بلا قوة، ولم يهب الذين أكلوه حياة أبدية. إذن لم يكن ذاك هو الطعام الحقيقي والخبز النازل من السماء. أما الجسد المقدس الذي للمسيح الذي يقوت إلى حياة الخلود والحياة الأبدية فهو بالحقيقة الطعام الحقيقي. لقد شربوا ماءً من صخرة أيضًا... وما المنفعة التي عادت على الذين شربوا لأنهم قد ماتوا. لم يكن ذاك الشراب أيضًا شرابًا حقيقيًا، بل الشراب الحق في الواقع هو دم المسيح الثمين، الذي يستأصل الفساد كله من جذوره، ويزيح الموت الذي سكن في جسم الإنسان. القديس كيرلس الكبير "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه". (56) + يقوت المسيح كنيسته بهذه الأسرار، فبهذه يتقوى جوهر النفس... لهذا فإن الكنيسة أيضًا إذ تنظر نعمة عظيمة كهذه تحث أبناءها وأصدقاءها أن يأتوا معًا إلى الأسرار، قائلة: "كلوا يا أصدقاء، وأشربوا، نعم اشربوا يا اخوة بفيض" (نش 5:1). ما نأكله وما نشربه قد أوضحه الروح في موضع أخر قائلاً: "ذوقوا وانظروا فإن الرب صالح، طوبى للرجل الذي يصنع رجاءه فيه" (مز 34:8). في هذا السرّ المسيح إذ هو جسد المسيح، لذلك فهو ليس بالطعام الجسماني بل الروحي... ذاك الطعام كما يسجل النبي يقوي قلوبنا، وهذا الشراب يبهج قلب الإنسان (مز 104: 15). القديس امبروسيوس + يا له من تنازل مهيب! الخالق يعطي ذاته لخليقته لأجل بهجتهم. يعطي الحياة نفسه للقابلين للموت، كطعامٍ وشرابٍ، فيحثنا: "تعالوا كلوا جسدي وأشربوا الخمر الذي مزجته لكم. أعددت نفسي طعامًا. مزجت نفسي لمن يرغبونني. بإرادتي صرت جسدًا، صرت شريكًا لجسدكم، وأنا حبة الحنطة الواهبة الحياة، أنا هو خبز الحياة. اشربوا الخمر الذي مزجته لكم فإني مشرب الخلود، أنا الكرمة الحقيقية (يو15: 1)،1 اشربوا الخمر الذي مزجته لكم (أم 9:5). + أقل كمية من البركة (الإفخارستيا) تخلط جسمنا كله معها، وتملأ بفعلها المقتدر. هكذا جاء المسيح ليكون فينا ونحن أيضًا فيه. القديس كيرلس الكبير + في هذه الأيام يطعمكم المعلمون، يطعمكم المسيح يوميًا. مائدته دائمًا معدة أمامكم. لماذا إنكم ترون أيها السامعون المائدة ولا تأتون إلي الوليمة؟... ما يقوله الرب يعرفه المؤمنون حسنًا. أما أنت أيها الموعوظ المدعو سامعًا فأنت أصم. فإنك تفتح أذني الجسم، متطلعا أنك تسمع الكلمات التي قيلت، لكن أذني قلبك مغلقتان، إذ لا تفهم ما يُقال... هوذا عيد القيامة على الأبواب، قدم اسمك للعماد... لكي تفهم معني: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (56). + كيف يلزمنا أن نفهمه؟ هل تشمل هذه الكلمات ("من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه") حتى أولئك الذين قال عنهم الرسول: "يأكلون ويشربون دينونة لأنفسهم" (1 كو 11: 2?) عندما يأكلون هذا الجسد ويشربون هذا الدم؟ هل يهوذا الذي باع سيده وخانه (مع أن لوقا الإنجيلي يعلن بكل وضوح أنه أكل وشرب مع بقية تلاميذه سرّ جسده ودمه الأول بيدي الرب) هل ثبت في المسيح والمسيح فيه؟ هل كثيرون من الذين يتناولون ذاك الجسد ويشربون ذاك الدم في رياء أو الذين بعد تناولهم من الجسد والدم يرتدون يثبتون في المسيح والمسيح فيهم؟ القديس أغسطينوس "كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي". (57) جاء تعبير "أنا حي بالآب" في اليونانية تحمل معنى أن علة حياته الآب، فالابن لا يحيا وحده، لكن حياة الآب هي حياة الابن بلا انفصال. + حينما يقول الابن أنه أُرسل يشير إلى تجسده... من يأخذني في نفسه بالاشتراك في جسدي سيحيا، ويُطَّعم بالكامل فيّ، أنا القادر أن أهبه حياة، لأنني من أصل واهب الحياة، أي الله الآب. القديس كيرلس الكبير + يسأل البعض: كيف يكون الابن مساويًا للآب عندما يقول أنه يحيا بالآب؟ ليت هؤلاء الذين يعترضون علينا في هذه النقطة يخبروننا أولاً ما هي حياة الابن؟ هل هي حياة ممنوحة بواسطة الآب لمن هو في حاجة إلى حياة؟ بل كيف يمكن للابن أن يكون في حاجة أن يملك حياة وهو نفسه الحياة، إذ يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة"؟ حقًا حياته أبدية، وسلطانه أبدي. هل وُجد وقت كانت فيه الحياة لا تملك ذاتها؟ تأملوا ما قُرأ اليوم بخصوص الرب يسوع أنه "مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعًا معه" (1 تس 10:5). ذاك الذي موته هو حياة، ألا يكون لاهوته حياة، متطلعين إلى لاهوته أنه حياة أبدية؟ لكن هل حياته بالحقيقة هي في سلطان الآب؟ لماذا؟ لقد أظهر أنه حتى حياته الجسدية ليست في سلطان آخر كما سُجل لنا: "أضع حياتي لكي آخذها. لا يأخذها إنسان مني، بل أنا أضعها بنفسي. لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أيضًا أن آخذها. هذه الوصية قبلتها من أبي". إذن كيف يُنظر إلى حياته الإلهية كمن تعتمد على سلطان آخر إن كانت حياته الجسدية لا تخضع لسلطان غير سلطانه؟ إنما يوجد سلطان آخر من أجل وحدة السلطان. وذلك كما أعطانا أن نفهم بأن وضع حياته تحقق بسلطانه وبكامل حرية إرادته، هكذا أيضًا يعلمنا أنه يضعها في طاعة لأمر أبيه، هنا الوحدة بين إرادته وإرادة أبيه. القديس أمبروسيوس "هذا هو الخبز الذي نزل من السماء، ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا، من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد". (58) + سبق فأخبر النبي ملاخي أحد الأثني عشر: "ليست لي مسرة بكم قال الرب القدير، ولا أقبل تقدمه من يدكم، لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها اسمي عظيم بين الأمم، وفي كل مكان يُقرب لاسمي بخور وتقدمه طاهرة، لأن اسمي عظيم بين الأمم "(ملا 1:10-11). تشير هذه الكلمات بطريقة واضحة أن الشعب القديم (اليهود) سيتوقفون عن تقديم التقدمات لله، وإنما في كل موضع ستقدم إليه ذبيحة طاهرة، وإن اسمه سيتمجد بين الأمم. ولكن أي اسم لآخر يتمجد بين الأمم مثل ذاك الذي لربنا، الذي به يتمجد الآب والإنسان أيضًا؟ ولأن هذا هو اسم ابنه الذي صار جسدًا بواسطته لذا يدعوه "اسمه". القديس ايريناؤس + يليق بالأبدي أن يعطي ما هو أبدي، لا أن يعطي تمتعًا بطعامٍ وقتي بالكاد يقدر أن يدوم لحظات قليلة... يليق بالذي نزل آنذاك أن يجعل المشتركين في تناوله أسمى من الموت والاضمحلال. القديس كيرلس الكبير + إذن نحن نحيا به، بتناولنا إيّاه، أي بنوالنا الحياة الأبدية، التي ليست لنا من ذواتنا. من جهة هو حي بالآب الذي أرسله، إذ أخلى نفسه، وأطاع حتى موت الصليب" (في 2: 8)... بقوله "أنا حيّ بالآب" يعني أنه من الآب، وليس الآب منه؛ يقال هذا دون مساس مساواته له. وأما بقوله: "من يأكلني فهو يحيا بي" لا يعني أن مساواته للآب كمساواتنا نحن له، وإنما يظهر نعمة الوسيط "هذا هو الخبز الذي نزل من السماء" (58). بأكله نحيا، إذ لا نستطيع أن تكون لنا الحياة الأبدية من أنفسنا. يقول: "ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا، من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (58). لأن هؤلاء الآباء موتى، ويُفهم منه أنهم لا يعيشوا إلى الأبد (بواسطة المن). أما الذين يتناولون المسيح فبالتأكيد يموتون وقتيًا لكنهم يحيون أبديًا، لأن المسيح هو حياة أبدية. القديس أغسطينوس "قال هذا في المجمع وهو يعلم في كفرناحوم". (59) + رأوه يعلِّم الجميع علنًا في المجمع، كما يقول هو نفسه بالنبي إشعياء أيضًا: "لم أتكلم بالخفاء في مكانٍ مظلم من الأرض" (إش 45: 1?)، لأنه كان يتكلم بتلك الأمور علنًا. القديس كيرلس الكبير يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد المسيح ألقي حديثه في المجمع لسببين: الأول لكي يقتنص أكبر عدد ممكن من أعدائه، والثاني أنه أراد تأكيد عدم معارضته للآب. فإن كانوا يخدمون الله في الهيكل، فهو لا يتحاشى الهيكل بل يحسبه بيت أبيه الذي يعلم فيه. تذمر البعض "فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا: إن هذا الكلام صعب، من يقدر أن يسمعه؟" (60) واضح أنه بجوار الاثني عشر تلميذًا كثيرون كانوا يصحبونه. استصعب بعضهم حديثه بخصوص شخصه كسماوي، وتقديم جسده ودمه حياة أبدية، فتركوه. + يبهج الإنسان الروحي نفسه بكلمات مخلصنا، ويصيح عن حق: "ما أحلى قولك لحنكي، أحلى من العسل لفمي" (مز 11?: 103). أما الجسداني ففي جهل يحسب السرّ الروحي حماقة... يليق بالذي يركض نحو استقامة الإيمان الذي في المسيح أن يسافر عبر طريق ملوكي. القديس كيرلس الكبير + يعطينا الرب جسده لنأكل، مع هذا إن فهمناه حسب الجسد فهذا موت، بينما يقول عن جسده أن فيه حياة أبدية. لهذا يلزمنا ألا نفهم الجسد جسدانيًا. القديس أغسطينوس "فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا، فقال لهم أهذا يعثركم؟" (61) بقوله هذا لتلاميذه أوضح لهم أنه السماوي العارف بالقلوب. وإذ لا يمكن أن يُخدع بالمظهر لا يخدع هو أيضًا غيره. بهذا أوضح لهم أنه الله وتعليمه هو الحق. "فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا" (61).علم أفكارهم الداخلية بسلطانه الإلهي، إذ لا يُخفى عنه شيء ما، وليس خلال إعلان إلهي كما كان يحدث مع بعض الأنبياء. إنه الكلمة الإلهي الذي يميز أفكار القلب (عب 4: 12-13). لذا لاق بنا أن نقدس أفكارنا بروحه القدوس، وليس فقط كلماتنا المنطوق بها وتصرفاتنا الظاهرة. "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى حيث كان أولا". (62) هنا يقدم تلميحًا لصعوده إلى السماء، لأن التمتع بجسد الرب ودمه يهبنا رفع القلب والذهن وكل الكيان الداخلي للتمتع بالشركة مع المسيح السماوي. + استخدم المسيح هذا المعنى في وقت خطابه مع نثنائيل، إذ قال له: هل آمنت لأني قلت لك إني رأيتك تحت التينة؟ سوف ترى أعظم من هذا" (يو 1: 50). وفي وقت مفاوضته نيقوديموس قال: "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). القديس يوحنا الذهبي الفم + لم يعرفوا جمال السرّ، ولا ذلك التدبير البديع جدًا الخاص به. إلى جانب ذلك فإنهم قد تناقلوا هذا الأمر مع أنفسهم، كيف يمكن للجسد البشري أن يغرس فينا حياة أبدية، كيف يمكن لشيءٍ من نفس طبيعتنا أن يهب خلودًا؟ وإذ يعرف المسيح أفكارهم، لأن كل شيء عريان ومكشوف لعينيه (عب 4: 13)، فإنه يشفي أسقامهم أيضًا مرة أخرى، فيقودهم بيده بطرقٍ متنوعة إلى فهم هذه الأمور التي كانوا لا يزالوا يجهلونها بعد... إن كنتم تفترضون أن جسدي لا يستطيع أن يهبكم حياة، فكيف له أن يصعد إلى السماء كطائرٍ؟ لأنه إن كان لا يقدر أن يحيي، لأنه ليس من طبيعته أن يحيي، فكيف سيحلق في الهواء، وكيف يصعد إلى السماء؟ لأن هذا أيضًا مستحيل. لكن ذاك الذي جعل الجسد الأرضي سماويًا، فسيجعله واهبًا للحياة أيضًا حتى إن كانت طبيعته تتحلل، فيما يختص بتكوينه الخاص. القديس كيرلس الكبير + قال لهم إنه سيصعد إلى السماء، حتمًا بكليته. "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى حيث كان أولاً" (62). عندئذ بالتأكيد على الأقل سترون أنه لا يكون ذلك بالطريقة التي تظنون أنه بها يوزع جسده. بالتأكيد عندئذ سيدركون أن نعمته لا تًُستهلك بالأكل. القديس أغسطينوس "الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يفيد شيئًا، الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة". (63) + حينما تمعنون النظر في سرّ التجسد، وتعرفون من هو ذاك الذي حلّ في هذا الجسد، تشعرون حتمًا ودون أن تتهموا الروح الإلهي نفسه أيضًا، أن الجسد يمكنه أن يهب حياة، مع أن الجسد في حدّ ذاته لا يفيد شيئًا البتة. لأنه إذ اتحد الجسد بالكلمة واهب الحياة صار واهبًا للحياة كلية، مرتفعًا إلى قوة الطبيعة الأكثر علوًا، دون أن يلزم ذاك الذي لا يمكن إخضاعه بأي حال إلى التحول إلى طبيعته الخاصة. القديس كيرلس الكبير + "الروح هو الذي يحي، وأما الجسد فلا يفيد شيئًا". هذا هو ما يقوله: يوجد احتياج أن تستمروا في الاستمتاع روحيًا بالأمور الخاصة بي، لأن من يسمع جسدانيًا لا ينتفع شيئًا، ولا ينتفع بأي صلاح". إنه لأمر جسداني أن تحتقروا من نزل من السماء، وتظنوه انه ابن يوسف. كيف يمكن لهذا أن يعطينا جسده لنأكل؟ (52). كل هذه الأمور جسدانية، بينما يوجد احتياج لفهمهما سرائريًا وروحيًا... "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (63)، بمعنى إنها كلمات إلهية روحية، ليس فيها شيء جسدي، ولا تتبع نظام الطبيعة، بل هي متحررة من مثل هذه الضرورة، وهي فوق القوانين نزلت لأجل هذا العالم، ولها أيضًا معني آخر مختلف. الآن كما في هذه العبارة قال "روح" عوضًا عن "روحي"، لذلك عندما يتحدث عن جسد لا يقصد أمورًا جسدية بل الاستماع الجسداني، مشيرًا في نفس الوقت إليهم، لأنهم دائمًا يطلبون الجسديات عندما كان يلزمهم أن يطلبوا الروحيات. فإن من يتقبلها جسدانيًا لا ينتفع شيئًا. ماذا إذن هل جسده ليس بجسد؟ بالتأكيد هو، فكيف يقول إذن "الجسد لا ينفع شيئًا"؟ إنه لا يتحدث عن جسده، حاشا! بل عن الذين يقبلون كلماته بطريقة جسدانية. ماذا "يفهم جسدانيًا؟ التطلع إلي ما هو أمام عيوننا مجردًا دون تصور ما هو وراءه، هذا هو الفهم الجسداني. ولكن يليق بنا ألا نحكم هكذا بالنظر بل نتطلع إلي كل الأسرار بالعيون الداخلية. هذا هو "النظر روحيًا". القديس يوحنا الذهبي الفم يتساءل القديس أغسطينوس: كيف يقول السيد المسيح: "أما الجسد فلا يفيد شيئًا (62)، بينما الكلمة صار جسدًا، وهو نفسه يقدم لنا جسده؟ يجيب على ذلك بأن الحديث هنا مثل القول بأن العلم (المعرفة) ينفخ، بينما المحبة تبني (1 كو 8: 1)، فالعلم بدون محبة ينفخ، لكن هذا لا ينفي أهمية العلم. هكذا الجسد بدون الروح لا ينفع شيئًا، فمن يقبل جسد المسيح بطريقة جسدانية كمن يأكل طعامًا ماديًا بحتًا، فتناوله لا يفيده شيئًا. [لتضف الروح إلى الجسد، كما يُضاف الحب إلى العلم. إن كان خلال الجسد ينفعنا المسيح جدًا فهل لا يفيد الجسد شيئًا؟ إنه بالجسد يعمل الروح لخلاصنا. كان الجسد إناءً، تأملوا ما يحويه، لا ما هو عليه (وحده). أليس أُرسل التلاميذ، فهل أجسادهم لم تنفع شيئًا؟ إن كانت أجساد الرسل نفعتنا فهل يمكن لجسد المسيح ألا ينفع شيئًا؟... لهذا "الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا ينفع شيئًا"، وذلك حسبما يفهمون الجسد، وليس كما أعطي جسدي لكي يؤكل]. + إنه الروح هو الذي يجعلنا أعضاء حيين... قيل هذا لكي نحب الوحدة ونخشى الانشقاق. فإنه ليس شيء يلزم أن يخافه المسيحي مثل الانفصال عن جسد المسيح، وإذ لا يكون عضوًا في المسيح لا يحيا بروح المسيح. يقول الرسول: "إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له" (رو 8: 9). القديس أغسطينوس "ولكن منكم قوم لا يؤمنون، لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون، ومن هو الذي يسلمه". (64) الحديث هنا خاص بيهوذا الذي سيسلمه وأيضا عن الذين تركوه، معلنًا أن ما سيحدث ليس بغريبٍ عنه، لأنه من البدء عالم بكل هذا. كما يكشف أن ما يحدث هو بكامل حريتهم. كل النفوس مكشوفة أمام السيد المسيح، فهو يعلم الأمناء المخلصين في إيمانهم، والمخادعين الذين يسلكون في رياء. + لم يقل: منكم قوم لا يفهمون، بل أخبرنا عن السبب لماذا لا يفهمون. "ولكن منكم قوم لا يؤمنون" (64)، لذلك لا يفهمون، إذ هم لا يؤمنون. إذ يقول النبي: "إن لم تؤمنوا لا تفهمون" (إش 7: 9). نحن نتحد بالإيمان، ونحيا بالفهم. لنقترب إليه أولاً بالإيمان حتى نحيا بالفهم. لأن من يقترب لا يُقاوم، ومن يقاوم لا يؤمن. كيف يمكن للمقاوم أن يحيا؟ إنه خصم لشعاع النور الذي به يفهم، إنه لا يغمض عينيه بل يغلق ذهنه. لذلك "منكم قوم لا يؤمنون". ليؤمنوا وينفتحوا، لينفتحوا ويستنيروا. + كان يهوذا حاضرًا هناك... صمت الرب عن ذكر اسمه. لقد وصفه ولم يذكر اسمه، ومع ذلك لم يصمت عن الحديث عنه. حتى يخاف الكل وإن كان واحد هو الذي يهلك. القديس أغسطينوس "فقال: لهذا قلت لكم إنه لا يقدر أحد أن يأتي إليّ إن لم يعطَ من أبي". (65) لا يعني هذا أن الله يميز بين فريق وآخر، إنما من يطلب يجد، ومن يسأل عن الحق يسلمه الآب للحق ويثبته فيه فلا يسقط. + كما كان الأمر بالنسبة للذين لم يؤمنوا بالله في البرية انهم حُرموا من دخول أرض الموعد، هكذا أيضًا بالنسبة للذين لا يكرمون المسيح لعدم إيمانهم لا يُمنح لهم دخول ملكوت السماوات. القديس كيرلس الكبير + إنه لأمر عجيب، عندما يُكرز بالمسيح المصلوب، اثنان يسمعان، واحد يحتقر والثاني يصعد. ليت الذي يحتقر ينسب لنفسه هذه التهمة (عدم الإيمان)، وأما الذي يصعد لا ينتحل (إيمانه) لنفسه. إذ يسمع من السيد نفسه: "لا يقدر أحد أن يأتي إليَّ ما لم يُعطَ من أبي" (65). ليفرح أنه نال. ليقدم شكرًا لذاك الذي وهبه هذا، بقلبٍ متواضعٍ لا متعجرف، لئلا ما ناله خلال التواضع يفقده بالكبرياء. + أن نؤمن فذاك يُعطى لنا، فإننا إذ نؤمن فهذا شيء. وإن كان هذا شيئًا عظيمًا فلتفرحوا أنكم تؤمنون، وإن كنتم لم ترتفعوا بعد، لأنه "أي شيء لك لم تأخذه"؟ (1 كو 4: 7). + لكي يعلمنا أن هذا الإيمان عينه هو عطية وليس عن استحقاق يقول: "لهذا قلت لكم انه لا يقدر أحد أن يأتي إلىّ إن لم يُعط من أبي" (65). الآن أين قال الرب هذا، فإننا إذ نتذكر كلمات الإنجيل نجد الرب يقول: "لا يقدر أحد أن يُقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب" (44). لم يقل: "يقود" بل "يجتذب". هذا العنف (للجذب) يحدث للقلب لا للجسم. لماذا إذن تتعجبون؟ َآمنوا فتأتوا؛ حبوا فتُجذبوا. لا تفترضوا هنا نوعًا من العنف القاسي أو الصعب بل هو عنف رقيق، إنه عذب، إنها العذوبة عينها هي التي تجتذبكم. ما الذي يجتذب القطيع عندما يُظهر له العشب الطازج أثناء جوعه؟ مع هذا فإنني لا أتصور اجتذابًا جسديًا، بل هو ارتباط سريع بالرغبة (في الأكل). بهذه الطريقة تأتون أنتم أيضًا إلى المسيح. لا تفهموا ذلك انه رحلات طويلة، وإنما أينما تؤمنون تأتون. فإننا نأتي إلى ذاك الذي هو في كل موضع، نأتي إليه بالحب لا بالإبحار. فإنه في مثل هذه الرحلة أمواج التجارب المتنوعة هياجها شديد. آمن بالمصلوب، فيستطيع إيمانك أن يصعد بك إلى الخشبة. إنك لن تغرق، بل تحملك الخشبة. هكذا وسط أمواج هذا العالم كان يبحر ذاك القائل: "وأما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح" القديس أغسطينوس "من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه". (66) + حسنًا يقول الإنجيلي ليس انهم رحلوا بل "رجعوا إلى الأمور التي تركوها إلى خلف"، معلنًا أنهم حرموا أنفسهم من أي نمو في الفضيلة، وباعتزالهم فقدوا الإيمان الذي كان لهم قديمًا. لكن هذا لم يحدث للإثنى عشر. القديس يوحنا الذهبي الفم يرى القديس كيرلس الكبير أنه كما يهرب ضعيفو البصر من الشمس ويُسرون بالجلوس في الأماكن المظلمة، هكذا بالنسبة لمرضى الذهن يهربون من المسيح شمس البرّ، الذي يكشف السرّ الإلهي العظيم. هكذا أيضًا فعل شعب إسرائيل عندما عاد يشوع بعد تجسس أرض الموعد، فقد ثاروا عليه، ورجعوا إلى الوراء وخسروا مصاحبتهم ليشوع كي يعبروا إلى أرض الموعد. + ما هو ثمين في عيني الله ليس على الإطلاق عدد العابدين، بل سمو إيمانهم الصحيح حتى وإن كان عدد المؤمنين قليلاً. لهذا يقول الكتاب الإلهي أن كثيرين مدعوون وقليلين جدًا الذين يُقبلون. القديس كيرلس الكبير + ربما كُتب هذا لتعزيتنا. لأنه أحيانًا يحدث أن يعلن إنسان الحق فلا يُفهم قوله، فيعارضه سامعوه ويتركوه. يتأسف الإنسان أنه قال الحق، ويقول في نفسه: "كان يليق بي ألا أتكلم هكذا، كان يلزمني ألا أقول هذا". انظروا فإن هذا قد حدث مع الرب. لقد تكلم وفقد الكثيرين، وبقي معه قليلون. ومع هذا لم يضطرب، لأنه عرف من البداية من الذين يؤمنون ومن الذين لا يؤمنون. إن حدث هذا معنا فإننا ننزعج بمرارة. لنجد راحة في الرب ولنتكلم بوقار. القديس أغسطينوس. إلى من نذهب؟ "فقال يسوع للاثني عشر: ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟" (67) جاء حديث السيد المسيح مع الاثني عشر متشددًا، فهو يطلب مؤمنين يثقون فيه، ويثبتون في الحق بكامل حرية إرادتهم دون ضغط أو حرج. لقد اختارهم من العالم، وسلمهم الأسرار الفائقة وقدم لهم إمكانياته وتلامسوا مع حياته الإلهية، وبقي لهم أن يقرروا بأنفسهم دون تردد، لأنهم قادمون على السير في طريق الصليب. لم يقل شيئًا للذين رجعوا إلى الوراء، فإنه لا يُلزم أحدًا بالإيمان، لكنه استخدم ذلك لتثبيت إيمان تلاميذه. + فإن قلت: فلماذا لم يمدحهم؟ أجبتك: إنه جمع في ذلك غرضين، أولهما: حفظ الرتبة اللائقة بالمعلم، لأنه لو كان مدحهم لظنوا أنهم قد أسدوا إليه بعطية، ثانيهما إيضاحه أنه ليس محتاجًا إلى إتباعهم إياه. القديس يوحنا الذهبي الفم + إنه لم يوبخ الذين تركوه ولا هددهم بطريقة عنيفة بل بالأحرى اتجه نحو تلاميذه قائلاً: "أتريدون أنتم أيضًا أن تمضوا؟"، محترمًا بالحق القانون الذي به يمارس الإنسان حريته ويبقى في حرية إرادته يختار الموت أو الخلاص. الشهيد كبريانوس "فأجابه سمعان بطرس: يا رب إلى من نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك؟" (68) امتاز القديس بطرس بغيرته المتقدة واستعداده الدائم، لذا أجاب في الحال ليس فقط عن نفسه، بل وعن التلاميذ. لقد أدرك أنهم لن يستطيعوا التمتع بالحياة الأبدية بدون المخلص المسيا. من يلتصق به لا يقدر الموت الأبدي ولا الجحيم ولا العذابات الأبدية أن تلحق به. لا يستطيع العالم ولا الجسد ولا الشيطان أن يقدموا حياة أبدية. لم يقبل البعض حديث السيد المسيح فرجعوا عنه، بينما ازداد البعض اقترابًا إليه وأدركوا مع بطرس الرسول قوة كلمته واهبة الحياة الأبدية. يقدم حديثه رائحة حياة لحياة ورائحة موت لموت. تحدث القديس بطرس باسم كل نفسٍ ملتصقة بالسيد المسيح، كما تحدثت راعوث مع حماتها: "لا تلحي عليَّ أن أتركك وارجع عنك لأنه حيثما ذهبت أذهب، وحيثما بتِ أبيت" (را 1: 16). وفي شجاعة رفض نحميا أن يترك موقع العمل ويختفي في الهيكل ويغلق أبوابه عليه لئلا يقتلوه، قائلاً: "أرجل مثلي يهرب؟" (نح 6: 11). "يا رب إلى من نذهب؟" (6?) إن ذهبنا إلى الآباء البطاركة يردونا إليك لأن إبراهيم رأى يومك فتهلل، وإن ذهبنا إلى موسى يقدم لنا الناموس قائدنا إليك. وإن ذهبنا إلى رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين نجلس عند أقدامهم، ماذا يقدمون سوى رياءهم وبغضهم للحق؟ من يعلن لنا الحق سواك؟ ومن يهبنا الحياة الأبدية إلاَّ أنت؟ + يلزمنا أن نجلس بجوار المعلم الواحد الوحيد، المسيح، ونلتصق به بلا انقطاع ولا انفصال عنه، ونجعله سيدنا الذي يعرف حسنًا كيف يقود أقدامنا إلى الحياة التي بلا نهاية... لأنه هكذا يليق بنا أن نرتقي إلى المنازل السماوية الإلهية، ونسعى إلى كنيسة الأبكار لنعيد بالصالحات التي تفوق إدراك الإنسان. + كأنهم يقولون: معك سنبقى، وبوصاياك نلتصق إلى الأبد، ونقبل كلماتك دون أن نعثر بها. القديس كيرلس الكبير يرى القديس كيرلس الكبير أن ما حدث في أثناء رحلة بني إسرائيل في البرية كان رمزًا للحقيقة التي نعيشها الآن. فقد جاء في سفر العدد أن القائد الحقيقي للشعب هو الله نفسه. فقد ظهر على شكل سحابة تظللهم، متى ارتفعت عن الخيمة تحركت المحلة، ورحل الجميع، وحيث حلت السحابة ينصبون خيامهم (عد ?: 15-1?). هكذا نلتصق نحن بالرب، ولا نتحرك في موضع دون أمره [لا يمكننا أن نترك الرب، بل بالأحرى نجتهد أن نبقى معه روحيًا. هذا بالحق لائق بالأكثر بالقديسين]. "ونحن قد آمنا، وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي". (69) بحكمة روحية يقدم الرسول بطرس الإيمان عن المعرفة دون تجاهل لدور المعرفة. فقد آمنوا بابن الله الحي، وعرفوا أسراره بالالتصاق به والشركة معه. + نادى الكلمة بهذه التعاليم من خلال الشبابيك إلى عروسه، وهى الحمامة، فاستجابت لجماله، لأنها استنارت بشعاع الفهم وتعرفت على الصخرة وهو المسيح. إنها تقول: "أرني وجهك، اسمعني صوتك لأن صوتك لطيف ووجهك جميل" (نش 14:2)... رأى سمعان مثل ما أرادت العروس أن ترى. وهؤلاء الذين استقبلوا صوت المسيح الحلو تعرفوا على نعمة الإنجيل وصرخوا: "يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك" (يو 68:6). القديس غريغوريوس النيسي + يقولون أنهم يؤمنون ويعرفون، فيربطون الأمرين معًا. لأنه يجب على الإنسان أن يؤمن وأيضًا أن يفهم. ليس معنى أننا نقبل الأمور الإلهية بالإيمان أن نبتعد تمامًا عن أي فحص لها، بل نحاول بالأحرى أن نبلغ إلى معرفة معتدلة، كما يقول بولس: "كما في مرآةٍ كما في لغزٍ" (1 كو 12: 12). حسنًا إنهم لم يقولوا عرفوا أولاً ثم آمنوا، إذ يضعون الإيمان أولاً ويلحقونه بالمعرفة، ولكن ليس قبل الإيمان. كما هو مكتوب: "إن لم تؤمنوا لن تفهموا" (إش 7: ?). القديس كيرلس الكبير + ليس أننا عرفنا وآمنا بل "آمنا وعرفنا" (69). لقد آمنا لكي نعرف؛ لأننا إن أردنا أن نعرف أولاً وعندئذ نؤمن، لن نستطيع أن نعرف ولا أن نؤمن... ماذا آمنا وعرفنا؟ "أنت المسيح ابن اللَّه الحيّ" (69)، بمعنى أنت هو الحياة الأبدية عينها، تهبها في جسدك ودمك فقط اللذين هما أنت. القديس أغسطينوس "أجابهم يسوع: أليس إني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان؟" (70) صحح السيد المسيح حديث القديس بطرس معلنًا أنه وهو الذي اختارهم تلاميذ له يعلم أنه يوجد بينهم شخص قَبِلَ أن يكون أداة في يد الشيطان القتال منذ البدء، والذي لا يعرف الحب بل البغضة والخيانة. + اسأله لماذا اختار يهوذا الخائن؟ لماذا عهد إليه بالخزانة مع معرفته أنه لص؟ هل أخبرك بالسبب؟ اللَّه يحكم حسب الحاضر لا حسب المستقبل. إنه لا يستخدم سابق معرفته ليدين إنسانًا مع معرفته أنه فيما بعد يفعل ما لا يسره. لكنه في صلاحه ورحمته التي لا يُنطق بها يختار إنسانًا يعرف أنه إلى حين هو صالح، لكنه سيتحول إلى الشر، مقدمًا له فرصة التغيير والتوبة. هذا ما يعنيه الرسول بقوله: "غير عالم أن لطف اللَّه إنما يقتادك إلى التوبة؛ ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة اللَّه العادلة، الذي سيجازي كل واحدٍ حسب أعماله" (رو4:2-6). آدم لم يخطئ لأن اللَّه سبق فعرف أنه سيفعل هكذا. اللَّه بكونه اللَّه سبق فعرف ما سيفعله آدم بكامل حرية إرادته. القديس جيروم + إنه يظهر أن الذين ينسحبون من المسيح يهلكون بخطأهم، أما الكنيسة التي تؤمن به والتي تتمسك بما تعلمته مرة فلن تنسحب منه نهائيًا. والذين يبقون في بيت الله هم الكنيسة. الشهيد كبريانوس + بتوبيخه يوقظ فيهم الصحوة، ويجعل كل واحدٍ منهم أكثر ثباتًا بالنسبة لنفسه. لأنه لم يقل بعد بصراحة من الذي سيخونه، بل يلقي بنير الإثم على واحدٍ وحده دون تحديد، فيضعهم جميعًا أمام التحدي، ويدعوهم إلى مزيد من الاهتمام والحذر، إذ يرتعد كل واحدٍ منهم خشية خسارة نفسه. + دعا الذي يفعل إرادة الشيطان "شيطانًا"، وهذا حق لأنه كما أن "من التصق بالرب فهو روح واحد" (1 كو 6: 17)، فالعكس صحيح أيضًا. القديس كيرلس الكبير + لاحظوا حكمته، فإنه لم يعلن عن الخائن (لم يذكر اسمه)، ومع هذا لم يجعله مخفيَا، فمن جانب لا يفقد كل حيائه ويصير محتقرا، ومن الجانب الآخر لئلا يظن أن أمره غير مدرك فيمارس شره بلا خوف. لهذا كان السيد يوبخه بوضوح تدريجيا. القديس يوحنا الذهبي الفم "قال عن يهوذا سمعان الاسخريوطي، لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه، وهو واحد من الاثني عشر". (71) أكثر السيد المسيح من الإشارة إلى الخائن دون تلميح نحو اسمه لكي يعطي يهوذا فرصة للتوبة ومراجعة نفسه إن أراد. يتساءل البعض: لو أن يهوذا تراجع فكيف كان يمكن تحقيق النبوات؟ وكيف يتم خلاصنا؟ حتمًا كان يقبله الله وكانت خطة الخلاص تتحقق بطريق آخر، وتمت النبوات في شخص آخر، لأنها لم تشر إلى اسمه. + كان جاحدًا لمن قدم له نفعًا عظيمًا وكرامة عظيمة؛ لقد أخذ المال وفقد البرّ. بكونه ميتًا خان الحياة. فإن الذي تبعه كتلميذٍ له اضطهده كعدوٍ. كل هذا الشر هو من يهوذا، لكن الرب استخدم شره للخير. احتمل أن يكون موضع خيانة لكي يخلصنا. انظروا فإن شرّ يهوذا تحول إلى صلاحٍ. كم من شهداء اضطهدهم الشيطان. لو أن الشيطان توقف عن الاضطهاد لما كنا اليوم نحتفل بأكاليل الشهداء...، فإن ما يفعله الشرير من الشر يضره هو ولا يناقض صلاح اللَّه. + لننتفع أيها المحبوبون جدًا بهذا الهدف، ألا نتناول جسد المسيح ودمه في الأسرار مجردًا، كما يفعل كثير من الأشرار، بل نتناولهما بشركة الروح، فنثبت كأعضاء في جسد الرب، ونحيا بروحه، فلا نتعثر إن تناول كثيرون الآن الأسرار بطريقة زمنية، هؤلاء الذين ينالون في النهاية عقوبة أبدية. حاليًا جسد المسيح كما لو كان مختلطًا في موضع الدرس، "لكن الرب يعرف من هم له". القديس أغسطينوس من وحي يو 6 جسدك العجيب يقدِّس جسدي! + عيناك تتطلعان دومًا إلى الجموع القادمة إليك. يقتربون إليك فلا يرجعون فارغين. أنت مشبع الجياع، ومُروي الظمأى. + إني كغلامٍ صغير أُقدم لك الخمس خبزات والسمكتين. أقدم لك أسفار موسى الخمسة وإنجيلي الذي وهبتني إيّاه. افتح عن بصيرتي لأجد في كتابك طعامًا يشبع الملايين! نعم هب لي مع شعبك أن أجلس على العشب. هب لنفوسنا الملتهبة بروحك أن تقود أجسادنا وتسيطر عليها. + نجلس لنتمتع خلال كنيستك بطعامك الروحي. تشبعنا بفيض، فتمتلئ سلال العالم بغنى نعمتك! تروي نفوسنا، وتُشبع أجسادنا، ولا تجعلنا في عوزٍ قط! تبقى نفوسنا شاكرة لك فأنت مصدر كل البركات! + جئت يا كلمة متجسدًا، فلا نخجل من أن نطلب منك كل احتياجاتنا. اعترف لك يا صديق كل البشرية، نفسي تئن من ثقل شهوات جسدي. + صرخاتي بلغت إلى سماواتك! ويحي أنا الشقي، من ينقذني من جسدي المائت؟ بحبك صرت يا كلمة اللَّه جسدًا، وعشت في وسطنا كواحدٍ منّا! رأينا جسدك غير منفصل عن لاهوتك! جسدك المقدس مصدر كل قداسة! + وهبتني جسدك ودمك مأكلاً ومشربًا حقًا! أتمتع بهما فأثبت فيك وأنت فيّ! أتطعم فيك يا أيها الكرمة الحقيقية، فلن تقدر الخطية بعد أن تأسرني، ولا الموت أن يسيطر عليّ، مادمت متمتعًا بالاتحاد بك! + جسدك ودمك دواء لحياتي، بهما انطلق من دائرة الفساد إلى عدم الفساد، وانتزع نسبي لآدم الترابي، فأصير ابنًا لك يا آدم الجديد! عِوض التراب أصير بالحق سماءً! + اقبل يا مخلصي ذبيحة شكري. كنت أود أن أتمتع بالمنّ في برية سيناء! لكن آبائي أكلوه وماتوا! الآن تهبني جسدك ودمك، أتناولهما فلن أموت إلى الأبد، لا بل أحيا معك، شريكًا في المجد حسب وعدك. + حقًا وعودك فائقة، من يقدر أن يدركها غير الذين تجتذبهم بحبك! رجع الكثيرون من وراءك، إذ استصعبوا نوالهم ما لا يمكن إدراكه. أما أنا فأصرخ مع تلميذك: إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية هو عندك؟ أسمع صوتك العذب، فينسحب كل كياني بالحب إليك. أسمع صوتك، فيُشرق بهاؤك على أعماقي. أسمع صوتك، فتصمت أعماقي لتتمتع بعذوبة كلمتك! عجيبة هي كلماتك، وسخيّة هي وعودك! كلّك حب يا مخلص العالم!
قراءات الصوم الكبير
قراءات الصوم الكبير
قراءات الصوم الكبير
خدمات الموجة القبطية
خدمات الموجة القبطية