اليوم الأول ( الأثنين ) من الأسبوع الرابع من الصوم الكبير
اليوم الأول ( الأثنين ) من الأسبوع الرابع من الصوم الكبير
اليوم الأول ( الأثنين ) من الأسبوع الرابع من الصوم الكبير
اليوم الأول ( الأثنين ) من الأسبوع الرابع من الصوم الكبير
لو 16 : 1 – 9 1 و قال ايضا لتلاميذه كان انسان غني له وكيل فوشي به اليه بانه يبذر امواله 2 فدعاه و قال له ما هذا الذي اسمع عنك اعط حساب وكالتك لانك لا تقدر ان تكون وكيلا بعد 3 فقال الوكيل في نفسه ماذا افعل لان سيدي ياخذ مني الوكالة لست استطيع ان انقب و استحي ان استعطي 4 قد علمت ماذا افعل حتى اذا عزلت عن الوكالة يقبلوني في بيوتهم 5 فدعا كل واحد من مديوني سيده و قال للاول كم عليك لسيدي 6 فقال مئة بث زيت فقال له خذ صكك و اجلس عاجلا و اكتب خمسين 7 ثم قال لاخر و انت كم عليك فقال مئة كر قمح فقال له خذ صكك و اكتب ثمانين 8 فمدح السيد وكيل الظلم اذ بحكمة فعل لان ابناء هذا الدهر احكم من ابناء النور في جيلهم 9 و انا اقول لكم اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى اذا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية + + + مثل وكيل الظلم إذ تحدَّث رب المجد يسوع بأمثال عن مدى شوقه لاجتذاب الخطاة عن طريق ضلالهم للدخول بهم إلى مقدَّسه، وجه حديثه إلى تلاميذه في حضرة الفرِّيسيِّين الذين عُرفوا بحب المال [14] والمجد الباطل، مقدَّما لهم مثلاً عن وكيل ظالم يبذر أموال سيِّده، وإذ سأله الموكل أن يقدَّم حساب الوكالة لينزعها عنه حاول أن يكسب له أصدقاء ظلمًا حتى متى طُرد من الوكالة يقبله الأصدقاء في بيوتهم. وقد امتدح السيِّد هذا الوكيل، لا في تبذيره الأموال، ولا في ظلمه، وإنما في حكمته بكسبه أصدقاء له واهتمامه بالحياة المقبلة، فيقدَّم متاع الدنيا الحاضرة لأجل الراحة في المستقبل. نستطيع قبل أن نستعرض أقوال الآباء في هذا المثل أن نوجز باختصار غاية هذا المثل في النقاط التاليَّة: أولاً: إن كانت الأمثلة السابقة تعلن عن الحب الأبوي الإلهي نحو الخطاة، فإنه من واجب الخطاة في توبتهم وعِودتهم إلى بيت أبيهم أن يتذرعوا بالحكمة. كما استهان هذا الوكيل بالحاضر من أجل راحته المقبلة، هكذا يليق بنا في توبتنا أن نسلك بروح الحكمة التي تتعدى الاحتياجات الزمنيَّة وتعبر بنا إلى طلب الراحة العتيدة في السماويات. ثانيًا: أبرز المثل السابق "الابن الضال" عودة الخاطي إلى بيت أبيه نادمًا وتائبًا. هنا في هذا الأصحاح يحدثنا عن الصدقة وحب العطاء، لا كما من مالنا، بل مما أوكلنا الله عليه، فنكسب لنا أصدقاء من مال موكلنا فيقبلوننا معهم في السماوات. الآن نعود إلى المثل نفسه، إذ يقول الإنجيلي لوقا: "وقال أيضًا لتلاميذه: كان إنسان غني له وكيل، فوُشي به إليه بأنه يبذر أمواله. فدعاه وقال له: ما هذا الذي أسمع عنك؟ أعط حساب وكالتك، لأنك لا تقدر أن تكون وكيلاً بعد. فقال الوكيل في نفسه: ماذا أفعل؟ لأن سيدي يأخذ مني الوكالة، لست أستطيع أن أنقب، وأستحي أن أستعطي. قد علمت ماذا أفعل حتى إذا عُزلت عن الوكالة يقبلونني في بيوتهم. فدعا كل واحدٍ من مديوني سيِّده، وقال للأول: كم عليك لسيدي؟ فقال: مئة بث زيت، فقال له: خذ صكك، واجلس عاجلاً، واكتب خمسين. ثم قال لآخر: وأنت كم عليك؟ فقال مئة كرّ قمح، فقال له: خذ صكك وأكتب ثمانين. فمدح السيِّد وكيل الظلم، إذ بحكمة فعل، لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم. وأنا أقول لكم: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبديَّة" [1-9]. ويلاحظ في هذا المثل الآتي: أولاً: يرى البعض أن هذا المثل لم يكن غريبًا على مسامع اليهود في ذلك الحين، إذ يشير الرجل الغني الموكل إلى الدولة الرومانية، التي تركت أمر الجباية في يدّ العشارين الذين يجمعون لحسابها مع اغتصاب الكثير لحسابهم الخاص. فمع جشع الدولة الرومانية كمستعمر إلا أنها كانت تمتدح العشارين الذين يتصرفون في هدوءٍ مع الناس عند جمع الجباية. فالعشار المعتدل في تصرفه يستطيع على المدى الطويل أن يجمع أكثر للدولة كما ينال نصيبًا أوفر، ولا يرهق الممولين، أما العنيف فيحطم الممولين، ويفقد هو سلامه، ولا تستريح الدولة لتصرفاته على المدى الطويل. فالوكيل المذكور هنا حين تنازل عن بعض مما ورد في الصكوك تصرف بحكمة، إذ يخفف عبء الجباية عن اليهود، وفي نفس الوقت يمكن للدولة الرومانية أن تحصل هذه الجباية وإن كانت أقل لكنها بطريقة أسهل. ثانيًا: يؤكد القدِّيس كيرلس الكبير في تعليقه على هذا المثل كما في مواضع أخرى كثيرة، أن السيِّد المسيح إذ يقدَّم لنا مثلاً لا يقصد بنا أن نطبقه في كل الجوانب، وإنما في الجانب الذي قصده السيِّد. هكذا لا يليق بنا أن نتمثل بهذا الوكيل بتبذيره أموال الوكالة ولا بتلاعبه في الصكوك، وإنما نتمثل بالتزامنا بالحكمة والنظرة المستقبليَّة (الأبديَّة). + الوكيل الذي طرده سيِّده من وكالته قد مُدح لأنه حصَّن نفسه من المستقبل... يلزمنا ألا نتمثل نحن به في كل شيء، إذ لا يليق بنا أن نخدع سيدنا، فنقدَّم الصدقة خلال الخداع... من ناحيَّة أخرى قيل هذا المثل لكي ندرك أنه أن كان الوكيل الذي عمل بخداع استطاع أن ينال مديحًا... فكم بالحري الذين يسرون الله بتنفيذهم وصاياه في أعمالهم؟! القدِّيس أغسطينوس ثالثًا: يقول السيِّد المسيح: "لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم" [8]. الإنسان الذي يعمل لحساب حياته الزمنيَّة يُحسب ابنًا لهذا الدهر، أما من يعمل لحساب مملكة النور الأبديَّة، فيحسب ابنًا للنور. يود الله أن يكون أبناء النور عاملين بحكمة من أجل هذا الهدف: التمتع بمملكة النور، لكن للأسف أحيانًا يسقطون في التهاون، فيفقدون الحكمة السماويَّة، ليصير السالكون في هذا العالم أكثر منهم تعقلاً من جهة تحقيق غايتهم. + يقصد بأبناء هذا الدهر أولئك الذين يضعون فكرهم في خيرات الأرض؛ وأبناء النور الذين ينشغلون بالكنوز الروحيَّة خلال الحب الإلهي. أحيانا في تدبير الأمور البشريَّة نسلك بتعقل منهمكين فيها حتى متى رحلنا نجد ملجأ لحياتنا، بينما ونحن نوجه الأمور الإلهيَّة لا نفكر في نصيبنا هناك. الأب ثيؤفلاكتيوس رابعًا: لقد سلّم الموكل أمواله في يدّي الوكيل. وهكذا نعيش نحن كوكلاء الله، كل ما هو بين أيدينا من عمل يديه أو عطيَّة من عنده، سواء مواهبنا أو قدراتنا أو دوافعنا أو عواطفنا أو ممتلكاتنا حتى جسدنا وأوقاتنا. نحن وكلاء، سنعطى حسابًا عن كل كلمة. غاية الله من هذه الوكالة ليس مكسبًا ماديًا ملموسًا، إنما تدريبنا على سمة "الأمانة"، هذه التي بها نتأهل لننال النصيب الأعظم في السماوات. الله لا يشغله في العالم شيء إلا أن يرانا أولادًا له نحمل سماته فينا التي تتمركز في "الأمانة". إن كان الله قد دعي "الأمين" (1 كو 1: 9؛ 10: 13؛ 1 تس 5: 24؛ 2 تس 3: 3، 2 تي 2: 13، عب 2: 17؛ 3: 2؛1 يو1: 9، رؤ 3: 14؛ 19: 11) فإنه يود في أبنائه أن يكونوا أمناء على مثاله، إذ يوصينا: "كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤ 2: 10). إن كنا وكلاء على ما هو ليس لنا ـ كما يقول القدِّيس أمبروسيوس ـ يلزمنا أن نسلك بروح الأمانة، فنحمل سمة سيدنا. + عندما لا ندير ثروتنا حسب مسرة ربَّنا، نُفسد أمانتنا لحساب ملذّات، ونُحسب وكلاء مذنبين. الأب ثيؤفلاكتيوس خامسًا: دعا السيِّد المسيح ما لدينا من أموال وإمكانيات وقدرات "مال الظلم"، لماذا؟ لأن توزيع هذه الأمور بين البشريَّة يسوده قانون الظلم، فيُولد طفل ليجد والديه قد أورثاه الملايين، بينما يُولد آخر ليجدهما أورثاه ديونًا ومشاكل بلا حصر. إنسان يُوهب ذكاء أو صحة أو قدرات ومواهب يُحرم منها غيره. فما نملكه وإن كنا لم نغتصبه ظلمًا، لكننا تسلمناه في عالم يسوده قانون الظلم. لذا يليق بنا أن نستغله فيما هو لبنياننا في العالم الآخر حيث لا يوجد "ظلم". لنقتنِ به أبديتنا! في حكمة عاش الكثير من آبائنا يحرصون على تنفيذ هذه الوصيَّة الربانية: "اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم، حتى إذا فنيتم (متم جسديًا) يقبلونكم في المظال الأبديَّة" [9]، ويحثوننا على ممارستها بطريقٍ أو آخر، فمن تعليقاتهم: + كيف يمكننا أن نقيم لأنفسنا أصدقاء من المال، إن كنا نحب المال، ولا نحتمل فقدانه؟ فإننا بهذا سنهلك مع فقداننا للمال أيضًا! العلامة ترتليان + الأمور الزمنيَّة تُدعى أمورًا خارجيَّة، لأنها خارج عنا. لنحولها إلى أمور داخليَّة؛ فإن كنا لا نستطيع أن نحمل غنانا معنا عندما نرحل من هنا لكننا نستطيع أن نحمل محبتنا. حريّ بنا إذن أن نرسلها أمامنا فتعد لنا موضعًا في المساكن الأبديَّة. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم + إن خدمت القدِّيسين (الفقراء) فستشاركهم مكافأتهم. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم + بالعطاء للفقراء نقتني رضى الملائكة وسائر القدِّيسين. القدِّيس أمبروسيوس + الصدقة هي أكثر الفنون مهارة؛ لا تبني لنا بيوتًا من الطين بل تخّزن لنا حياة أبديَّة. في كل الفنون نحتاج إلى من يعيننا، أما بالنسبة لإظهار الرحمة فلا نحتاج إلا إلى الإرادة وحدها. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم + الصداقة المجردة لا تحمينا ما لم تتبعها أعمال صالحة، ما لم ننفق ثروتنا ببرّ هذه التي جُمعت بطريقة ظالمة. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم + لقد أظهر أن كل ممتلكات الإنسان التي تحت سلطانه بالطبيعة هي ليست له، وأنه يُسمح له بممارسة أعمال البرّ المخلِّصة خلال مال الظلم هذا، إذ به يعول من لهم مسكن أبدي مع الآب. القدِّيس إكليمنضس السكندري + كثيرًا ما يكون الغنى لصالحنا كقول الرسول الذي يطلب من الأغنياء أن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل لكي بهذا يمسكوا بالحياة الأبديَّة ( 1تي 6: 18-19)؛ وكما يقول الإنجيل بأن هذا الغنى يكون للخير لمن يصنع لنفسه أصدقاءً بمال الظلم. يمكن أيضًا أن يوجه الغنى للشر، عندما نحشده للتخزين، أو للتنعم، غير مبالين باحتياجات الفقراء. الأب تادرس + أعطِ خيراتك لا للذين يطعمهم الفلاحون (أصحاب الحقول)، بل للذين ليس لهم سوى الخبز كطعام يقوَّتهم... اهتم بالفقراء والمحتاجين. + (يتحدَّث عن ضرورة اهتمام الكنيسة بالفقراء لا بفخامة المباني الكنسيَّة) قدَّس ربَّنا بفقره فقر بيته، لذلك فلنفكر في صليبه ونحسب الغنى نفاية. لماذا تعجب من قول السيِّد: "مال الظلم"؟ لماذا نطلب ونحب ما افتخر بطرس بأنه لا يمتلكه (أع 3: 6)؟ هكذا يعلن السيِّد المسيح عن الصدقة كتحويل لممتلكاتنا من هذا العالم الزائل إلى رصيد أبدي في المساكن العلويَّة. وقد دعا السماء "مظالاً أبديَّة"، لأن اليهود كانوا يهتمون جدّا بعيد المظال، ويحسبونه عيد الفرح الحقيقي، فيه يسكنون مظالاً من أغصان الشجر لمدة أسبوع. هكذا تهيئ لنا الصدقة نصيبًا لعيدٍ أبديٍ مفرحٍ، فنقيم في السماء مع مصاف القدِّيسين. سادسًا: يُعلِّق أيضًا السيِّد المسيح على هذا المثل، قائلاً: "الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير. والظالم في القليل ظالم أيضًا في الكثير، فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم، فمن يأتمنكم على الحق؟! وإن لم تكونوا أمناء فيما هو للغير، فمن يعطيكم ما هو لكم؟!" [10-12] + القليل هو مال الظلم، أي الثروة الزمنيَّة التي غالبًا ما جُمعت خلال الابتزاز والطمع. لكن الذين يعرفون كيف يعيشون الحياة الفاضلة، ويعطشون للرجاء فيما هو مخّزن، ويسحبون فكرهم عن الأرضيات، مفكرين بالحري في العلويَّات، هؤلاء يستهينون بالغنى الزمني تمامًا، إذ لا يقدَّم إلا الملذّات والانغماس في الترف والشهوات الجسديَّة الدنيئة، والبهاء الذي لا ينفع، بل هو وقتي وباطل. لذلك يعلمنا أحد الرسل القدِّيسين، قائلاً: "لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة" (1 يو 2: 6). لكن مثل هذه الأمور لا تساوي شيئًا مطلقًا لمن يعيشون الحياة المتعقلة الفاضلة، إذ هي أمور تافهة ووقتيَّة ومملوءة دنسًا، وتثير النار والدينونة، وغالبًا ما تحطم حياة الجسد نهائيًا. لذلك انتهر تلميذ المسيح الأغنياء، قائلاً: "هلم الآن أيها الأغنياء، ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة، غناكم قد تهرأ، وثيابكم قد أكلها العث، ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما يكون شهادة عليكم" (يع 5: 1-3). كيف يصدي الذهب والفضة؟ بتخزينهما بوفرة شديدة، فيكون ذلك شهادة ضدهم أمام كرسي الحكم الإلهي إنهم غير رحومين. فإنهم إذ جمعوا في كنوزهم فيض عظيم بلا ضرورة، غير مبالين بالمحتاجين مع أنه كان في قدرتهم لو أرادوا أن يمنحوا الخير بسهولة لكثيرين، لكنهم "كانوا غير أمناء في القليل". ولكن كيف يصير البشر أمناء، هذا يعلمنا إيَّاه المسيح، وسأشرح ذلك. سأله فرِّيسي أن يأكل معه خبزًا في يوم سبت، وقد وافق المسيح على ذلك. وإذ ذهب هناك جلس ليأكل فاجتمع كثيرون آخرون يأكلون معهما. ولم يكن من بينهم من يمثل المحتاجين، بل على العكس كانوا جميعًا أناسًا عظماء ومعروفين محبين للمتكآت الأولى، ظمأى للمجد الباطل، كمن يلتحفون بكبرياء الغنى. ماذا قال المسيح للذي دعاه؟ "إذا صنعت غداء أو عشاء فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء لئلاَّ يدعوك هم أيضًا فتكون لك مكافأة؛ بل إذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجُدع العرج العمي، فيكون لك الطوبى، إذ ليس لهم حتى يكافئوك، لأنك تُكافئ في قيامة الأبرار" (لو 14: 12-14). هذا كما أظن الأمانة في القليل، أن يترفق الإنسان بالمحتاج، ويعين من هم في ضائقة بما لديه... إن كنا غير أمناء في القليل بعدم تشكيلنا حسب إرادة الله، باذلين كل إمكانياتنا على ملذّاتنا وكبريائنا، فكيف نتقبل من الله ما هو حق؟ ما هو هذا الحق؟ منحنا الهبات الإلهيَّة بفيض هذه التي تزين النفس وتشكل فيها جمالاً ربانيًا. هذا هو الغنى الروحي، لا الذي يسمن الجسد الذي يفسده الموت، وإنما الذي يخلص النفس، ويجعلها مستحقة للمباهاة والكرامة قدام الله، فتربح لنفسها المدح الحقيقي. إذن، من واجبنا أن نكون أمناء لله، أنقياء القلب، رحماء، لطفاء، أبرارًا، مقدَّسين، فإن هذه الأمور تطبع فينا خطوط التشبه الإلهي، وتجعلنا كاملين كورثة للحياة الأبديَّة. هذا إذن ما هو حق! هذا هو مغزى كلمات المخلِّص وقصدها، الأمر الذي يمكن للإنسان أن يتعلمه مما تبع ذلك، إذ قال: "وإن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير، فمن يعطيكم ما هو لكم؟" [12]. مرة أخرى نقول أن ما هو للغير هو الغنى الذي نمتلكه، إذ لم نولد ومعنا الغنى، بل بالعكس وُلدنا عراة، ويمكننا بحق أن نؤكد كلمات الكتاب المقدَّس: "لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء" (1 تي 6: 7). كما نطق أيوب الصبور بكلمات من هذا النوع: "عريانًا خرجت من بطن أمي، وعريانًا أعود إلى هناك" (أي 1: 21). إذن ليس أحد بالطبيعة غنى بذاته، ويعيش في غنى وفير. إنما أضيف إليه ذلك من الخارج كفرصة سنحت له، فإن انتهى الغنى وباد لا يضر هذا بطبيعته البشريَّة. فإننا لسنا كائنات عاقلة، ماهرين في كل عمل صالح بسبب الغنى، وإنما طبيعتنا قادرة على ذلك (الحياة الفاضلة)... الطبيعة البشريَّة هي ملكنا متأهله لكل عمل صالح، كما كتب الطوباوي بولس: "مخلوقين لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف 2: 10). لذلك عندما نكون غير أمناء في ما هو للغير، أعني في الأمور التي تُضاف إلينا من الخارج، فكيف نتقبل ما هو لنا؟ كيف يمكن أن نصير شركاء في الأعمال الصالحة التي يهبها الله، التي تزين النفس وتطبع عليها جمالاً إلهيًا، وتشكل فيها بطريقة روحيَّة البرّ والقداسة والأعمال المستقيمة التي تمارس بمخافة الله؟ ليت الذين يملكون منا غنى أرضيًا يفتحون قلوبهم للمحتاجين، فنظهر أمناء ومطيعين لنواميس الله، وتابعين لإرادة ربَّنا في الأمور التي هي في الخارج والتي ليست مالنا، فنتقبل ما هو لنا، أي الجمال المقدَّس العجيب الذي يشكله الله في نفوس البشر، فيجعلهم على شبهه كما كنا في الأصل. القدِّيس كيرلس الكبير + ما هو للغير: كمية من الذهب أو الفضة؛ أما ما هو لك فهو الميراث الروحي، إذ قيل في موضع آخر: "فديَّة حياة (نفس) إنسان غناه" (أم 13: 8). القدِّيس جيروم + إن كنا لا نبالي بالأمور المنظورة (نستهين بالعطاء...) فكيف يعلن لنا الله ما هو غير منظور؟ القدِّيس يوحنا الذهبي الفم سابعًا: يضع السيِّد المسيح حدًا فاصلاً بين قبول صداقته والارتباك بمحبَّة المال، قائلاً: "لا يقدر خادم أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" [13]. + خادم المسيح الكامل ليس له شيء بجانب المسيح؛ فإن كان له شيء بجانب المسيح فهو ليس كاملاً. القدِّيس جيروم + "لا يقدر خادم أن يخدم سيدين"، ليس لأنه يوجد سيدان، إنما سيد واحد، إذ ليس للمال حق السيادة، إنما الإنسان هو الذي يثقل نفسه بنير العبوديَّة (للمال). ليس للمال سلطان عادل إنما عبوديَّة ظالمة، لذلك قال: "اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم"... لا تكن عبدًا للمال، ولا للملذّات الخارجيَّة، إذ يليق بك ألا تعترف بسيدٍ آخر غير المسيح. القدِّيس أمبروسيوس + يستحيل على شخص بذاته أن ينقسم بين متناقضات ويعيش بلا لوم. هذا أظهره بقوله: "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين"... لا يمكن أن نخدم الله ومحبَّة المال... ليت كل واحدٍ منا يستبعد من ذهنه تمامًا أن يكون عبدًا للمال، فنحني رقبتنا للمسيح مخلِّصنا جميعًا بكل حريَّة بلا مانع. القدِّيس كيرلس الكبير + الوكيل الذي يسيء تدبير أمور سيِّده ويفقد ممتلكاته يخاف من مواجهته، وعلى العكس الوكيل الذي يدبر أمور سيِّده حسنًا دائما يلتقي به ببهجة. القدِّيس جيروم + اظهر في القليل ما تود أن تفعله متى كان لك الكثير... قدَّم برهانًا كالأرملة التي كان لها فلسين فقدَّمتهما، قدَّمت كل ما تملكه. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
قراءات الصوم الكبير
قراءات الصوم الكبير
قراءات الصوم الكبير
خدمات الموجة القبطية
خدمات الموجة القبطية